كتب: صهيب شمس
يفضل كثير من الناس تكرار صلاة الاستخارة عند التردد في أمر دنيوي أو قرار مهم، ولذلك يثار سؤال شائع حول تكرار صلاة الاستخارة: هل تكرار صلاة الاستخارة ضروري أم أن الاكتفاء بها مرة واحدة يكفي؟ تشرح دار الإفتاء المصرية معنى الاستخارة وتجيب عن مدى جواز تكرارها ومتى تُؤدى، مؤكدة أن الاستخارة في حقيقتها تفويض الاختيار إلى الله تعالى وطلب الخير مما يختاره سبحانه لعبده.
حقيقة الاستخارة ومغزاها
عرّفت دار الإفتاء صلاة الاستخارة بأنها طلب خير الأمرين لمن احتاج إلى أحدهما، وبيّنت أن حقيقتها تفويض الاختيار إلى الله عز وجل، فهو الأعلم بمصلحة العبد وقادر على تحقيق الخير له إذا دعاه. بهذا المعنى تصبح الاستخارة وسيلة يلوذ بها المسلم إلى الله لبيان الخير وطمأنة القلب، فهي ليست مجرد طقوس بل عبادة تضيق في معناها التفويض والاعتماد على حكمة الخالق.
حكم تكرار صلاة الاستخارة وأدلتها
أوضحت دار الإفتاء جواز تكرار صلاة الاستخارة، وحددت أن التكرار جائز بما زاد عن مرة حتى سبع مرَّات، مستندة إلى حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي جاء فيه التأكيد على تكرار الاستخارة سبع مرات. وروى الحديث: «يَا أَنَسُ، إِذَا هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَاسْتَخِرْ رَبَّكَ فِيهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ انْظُرْ إِلَى الَّذِي يَسْبِقُ إِلَى قَلْبِكَ، فَإِنَّ الْخَيْرَ فِيهِ». ومن ذلك يبيّن أن تكرار صلاة الاستخارة مسألة مشروعة وتوقيت تكرارها مرهون بما يحتاجه المسلم من طمأنينة إلى أن يسبق إلى قلبه ما يشير إلى الخير.
كيفية أداء صلاة الاستخارة وصيغتها
الأصل في الاستخارة أن تكون بصلاة مخصوصة تتكون من ركعتين من غير الفريضة، ثم يتوجه المضطر للدعاء المأثور الوارد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وورد في حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله كان يعلمه الاستخارة في الأمور كلها، ويُعلمها كما يُعلم السورة من القرآن. ثم تلا نص الدعاء المعروف: “اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك…” وما يلي من النص الكامل للدعاء كما ورد في الصحيح. هذا الدعاء يشتمل على إقرار العبد بعجزه عن العلم والقدرة المطلقين، وطلبه من الله أن يقدر له الخير أو يصرف عنه الشر، ثم أن يرضيه به.
النص الكامل لدعاء الاستخارة كما ورد
يحتوي نص الدعاء في المصادر المروية على العبارات التالية: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ…” ويتضمن الدعاء تسمية الأمر بعينه، ثم الطلب من الله أن يقَدِّرَه ويسيّره ويبارك فيه إن كان خيرًا، أو أن يصرفه عن العبد ويصرف العبد عنه ويقدّر له الخير حيث كان إن كان شرًا. ورد هذا النص في “صحيح البخاري”، ويُعد مرجعًا لصيغة الدعاء المأثورة في صلاة الاستخارة.
متى يكون تكرار صلاة الاستخارة مناسبًا؟
التكرار في صلاة الاستخارة يلجأ إليه من يطلب زيادة الطمأنينة والتأكد من ما يوحى إليه القلب بعد الدعاء، فبعد أن تُصلَّى ركعتان وتُدعى صيغة الاستخارة قد يكرر المسلم الصلاة والدعاء لأكثر من مرة إلى أن يظهر ما يسبق إلى قلبه من ميول أو دليل يشير إلى الخير. وقد أذن الحديث بتكرار الاستخارة حتى سبع مرات، ويُفهم من ذلك أن التكرار مشروع طالما أن العبد في حاجة إلى توجيهٍ وطمأنة قلبية.
الفرق بين الاكتفاء مرة والتكرار
يصعب الجزم بأن الاكتفاء مرة واحدة يكفي لكل حال، لأن النصوص المروية تسمح بالتكرار والاحتياج يختلف من شخص لآخر. وقد ذُكر أن بعض الناس يصلي الاستخارة مرة ثم يتخذ القرار، بينما يكرر آخرون صلاة الاستخارة عدة مرات حتى تطمئن نفوسهم لقرارهم. ومن هنا فإن جواز تكرار صلاة الاستخارة يُتيح للمسلم أن يختار بحسب حاجته ومدى استجابة قلبه بعد الدعاء.
أفضل أوقات أداء صلاة الاستخارة
حددت النصوص المروية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الأوقات للدعاء والقيام بطلب الخير، ومن ذلك أن الثلث الأخير من الليل وقبل صلاة الفجر يُعَدّان أوقاتًا مناسبة للاستخارة، إذ ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ…». ومن هذا الحديث يُستدلّ على فضل وقت الثلث الأخير من الليل لطلب الإجابة، لما فيه من مواضعة الرحمة والاستجابة.
ملاحظات حول ممارسة الاستخارة وتكرارها
يجدر بالمسلم أن يعلم أن الاستخارة مرتبطة بالقلب والنية والتفويض إلى الله، وأن الركعتين والدعاء هما الأصل المأثور، وأن تكرار صلاة الاستخارة حتى سبع مرات وارد في الحديث النبوي كما ذكرته دار الإفتاء. كما أن اختيار الوقت الملائم كالثُلُث الأخير من الليل يمكن أن يعزز من روحانيّة الدعاء وفرص الطمأنينة، لكن الأمر الأهم يبقى تفويض الاختيار إلى الله والرضا بما يقرره سبحانه.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.















































































































