كتب: صهيب شمس
في نص قانوني واضح تسعى الدولة من خلاله إلى ضبط آليات التعامل مع مخالفات حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب، جاء الحديث عن التصالح في حيازة الحيوانات الخطرة كخيار قانوني مشروط يهدف إلى تحقيق توازن بين حفظ الأمن العام وحماية الحقوق. نصت المادة 18 من قانون تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب على إمكانية إجراء هذا التصالح في جرائم محددة وبضوابط تضمن عدم الإضرار بالأرواح أو الأموال العامة والخاصة، مع التأكيد على عدم المساس بحقوق الدولة أو المجتمع.
التصالح في حيازة الحيوانات الخطرة: نطاق التطبيق والشروط
تنظم المادة 18 نطاق إتاحة التصالح في حيازة الحيوانات الخطرة بحيث يكون متاحًا في حالات محددة لا تشمل الجرائم التي ترتب عليها وفاة أو إصابة أو تلف ممتلكات. ويشترط القانون لقبول التصالح إزالة أسباب المخالفة، بمعنى أن لا يقتصر الأمر على دفع مبالغ مالية فحسب، بل يجب اتخاذ ما يلزم لرفع السبب الذي أدى إلى ارتكاب المخالفة حفاظًا على الأمن العام وسلامة المواطنين والممتلكات.
حالات لا يجوز فيها التصالح في حيازة الحيوانات الخطرة
أوضح القانون استثناءات تصالحية صارمة؛ إذ لا يكون التصالح جائزًا في حال التسبب في وفاة أو إصابة أو إتلاف ممتلكات. ويعكس هذا الحظر حرص المشرع على عدم إتاحة مخرج قانوني لأفعال نتج عنها أضرار بالغة أو تهديد مباشر لحياة الناس وممتلكاتهم، ما يعني أن مساحات التصالح محصورة بحالات المخالفات التي لم تطلها هذه النتائج الخطيرة.
مراحل التصالح ومقادير الغرامات المقررة
حددت المادة 18 ثلاث مراحل زمنية يمكن خلالها إجراء التصالح، مع ربط كل مرحلة بمقيدات مالية نسبية من الحد الأدنى والحد الأقصى للغرامة المقررة في القانون. في المرحلة الأولى، أي قبل إحالة الدعوى إلى النيابة أو المحكمة، يمكن التصالح مقابل مبلغ لا يقل عن الحد الأدنى للغرامة ولا يزيد عن ربع الحد الأقصى لها. وفي المرحلة الثانية، بعد الإحالة وحتى صدور الحكم النهائي، يرتفع الحد الأدنى المطلوب ليكون مثلي الحد الأدنى، بينما لا يتجاوز الحد الأعلى نصف الحد الأقصى للغرامة. أما في المرحلة الثالثة، وبعد صدور الحكم النهائي، فيجوز التصالح مقابل أداء مبلغ لا يقل عن خمسة أمثال الحد الأدنى ولا يزيد عن ثلاثة أرباع الحد الأقصى للغرامة المقررة.
آثار التصالح على المسار الجنائي
يترتب على إبرام التصالح انقضاء الدعوى الجنائية، ما يعني إنهاء المسار القضائي المتعلق بالمخالفة عند استيفاء شروط التصالح القانونية. كما نص القانون على أن التصالح يؤثر كذلك على تنفيذ العقوبة؛ ففي حال تم الصلح أثناء تنفيذ العقوبة، تأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة حتى لو كان الحكم قد أصبح نهائيًا، ما يمنح آلية مرنة لإنهاء النزاع الجنائي وفق ضوابط محددة من جهة السلطة العامة.
إجراءات ضبط الحيوانات والتحفظ عليها
تنص المادة 24 من القانون على إجراءات واضحة عند ضبط حيوانات خطرة أو كلاب مخالفة، حيث يتم التحفظ على تلك الحيوانات من قبل النيابة العامة وتودع بأماكن الإيواء والعزل المخصصة لذلك. وتقع النفقة على المخالف الذي ضبطت حيواناته، ولا تُعاد الحيوانات إليه إلا بقرار من النيابة المختصة. وتكشف هذه الأحكام عن تركيز التشريع على منظومة إجراءات تضع مسؤولية الحائز أو المربّي على عاتقه، مع إيلاء النيابة العامة سلطة تقرير مصير تلك الحيوانات مؤقتًا لحين البت في إجراءات الصلح أو المتابعة القضائية.
ضمانات عدم تكرار المخالفة ودور النيابة العامة
جاءت نصوص القانون لتؤكد حرص الدولة على تحقيق توازن بين تطبيق القانون وحماية المجتمع، مع إتاحة فرصة للتصالح بشروط واضحة وفرض إجراءات صارمة لضمان عدم تكرار المخالفة. وتبرز النيابة العامة في النصوص بوصفها الجهة المخولة بالتحفظ على الحيوانات وفصل مسائل إعادة الحيوانات إلى المخالفين ومتابعة تنفيذ الأحكام or قرارات الصلح. كما تضطلع النيابة بسلطة إصدار أوامر بوقف التنفيذ في حالات الصلح أثناء التنفيذ، ما يمنحها دورًا رقابيًا وتنفيذيًا لحماية الصالح العام.
الضوابط المالية والشرط الإداري لإتمام التصالح
يربط القانون مبالغ التصالح بمقادير الغرامات المقررة، ما يجعل المعيار المالي جزءًا أساسيًا من قبول الصلح في قضايا حيازة الحيوانات الخطرة. ولا يقف الأمر عند البعد المالي، بل اشترطت المادة 18 إزالة أسباب المخالفة كشرط أساسي لقبول أي تصالح، وهو ما يعني وجود عنصر إداري وتنفيذي مرتبط بالتزام المخالف بإزالة المخاطر المادية أو الإجرائية التي أدت إلى وقوع المخالفة. ويعزز هذا الشرط فكرة أن التصالح ليس مجرد معاملة نقدية وإنما وسيلة لتهيئة أوضاع تتواءم مع متطلبات السلامة العامة.
مقاصد التشريع وتأثيره على المساءلة المجتمعية
تهدف النصوص إلى تثبيت مبدأ المساءلة مع إتاحة هامش للعقوبة التصالحية بعيدًا عن حالات الأضرار الجسيمة، ويظهر ذلك بوضوح في استبعاد حالات الوفاة والإصابة وإتلاف الممتلكات من نطاق الصلح. كما تتكامل إجراءات التحفظ على الحيوانات والإيواء على نفقة المخالف مع آليات التصالح لمنع تكرار المخالفة وحماية المجتمع من المخاطر المحتملة. ويعكس نهج المشرع توازنًا بين العقاب والوقاية، حيث يبقى الحق العام والمصلحة العامة في المقام الأول في تحديد حدود جواز التصالح وآثاره.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.















































































































