كتب: علي محمود
يثير حادث اختفاء لوحة أثرية من مقبرة خنتي كا بمنطقة آثار سقارة تساؤلات كثيرة حول حكم التجارة في الآثار وبيعها، خصوصًا بعد أن اكتشف الأثريون اختفائها أثناء عمليات توثيق ومراجعة داخل المقبرة. حكم التجارة في الآثار بات موضوعًا يتداخل فيه الجانب الشرعي مع القانوني والإداري، ويستدعي توضيحًا لآليات الملكية والنطاق الذي يسمح فيه للدولة أو الأفراد بالتصرف في الآثار، بالإضافة إلى تبويب الآثار بحسب مرجعيات الفقه والقانون.
واقعة اختفاء اللوحة في مقبرة خنتي كا بسقارة
أوضح مصدر مطلع بالمجلس الأعلى للآثار أن زملاء الأثريين هم من اكتشفوا اختفاء اللوحة الأثرية من مقبرة خنتي كا أثناء تواجدهم داخل المقبرة لأغراض التوثيق والمراجعة، وأن الأمر لم يكن نتيجة عمل بعثات أثرية عاملة في المنطقة. الحادثة تبرز حساسية مواقع الآثار والحاجة إلى تدابير تحفظية صارمة، كما تعيد إلى الواجهة السؤال القانوني والشرعي حول التعامل مع الآثار المكتشفة أو المفقودة.
حكم التجارة في الآثار وفق دار الإفتاء
أصدرت دار الإفتاء المصرية توجيهات واضحة بشأن حكم التجارة في الآثار، مؤكدة أنه لا يجوز شرعًا المتاجرة بالآثار أو التصرف فيها بالبيع أو الهبة أو غير ذلك من التصرفات إلا ضمن حدود ما يسمح به ولي الأمر وينظمه القانون بما يحقق المصلحة العامة. هذا المنع ينبع من اعتبار الآثار جزءًا من التراث العام وكون تنظيم التصرف فيها من مهام الدولة التي تضمن حفظها وصيانتها لصالح المجتمع بأكمله، حتى وإن وُجدت في أرض يملكها شخص معين.
حكم التجارة في الآثار والملكية الخاصة للأرض
توضح دار الإفتاء أن انتقال ملكية الأرض لا يستتبع انتقال ملكية المدفون في الأرض من الآثار، ما لم يكن المالك الحالي أحد ورثة المالك الأول صاحب الأثر المدفون، وهو أمر يُعد مستبعدًا في كثير من الحالات. حتى في حالة وجود صلة وراثية يظل إثبات الملكية أمرًا غير مؤكد لاعتبارات متعددة، ولذلك يُفسَّر الأثر في كثير من الحالات على أنه مال عام يجب ردُّه إلى الدولة. هذا الموقف الشرعي يتقاطع مع مبادئ القانون المصري الذي يعتبر الآثار المكتشفة أموالًا عامة لا يجوز للفرد تملكها أو التصرف فيها بغير تصريح من الدولة.
آثار تصنيف الآثار المكتشفة في مصر
تقسم الآثار التي يعثر عليها أفراد في مصر إلى ثلاث أقسام كما بينتها دار الإفتاء: الأول ما يتعلّق بحضارات سابقة على الفتح الإسلامي لمصر، مثل آثار الفراعنة والرومان؛ الثاني ما يتعلّق بثقافات وطوائف غير إسلامية عاصرت عهد الفتح الإسلامي وما بعده، مثل الآثار القبطية؛ والثالث ما كان من الآثار الإسلامية. وتُسمى الآثار التابعة للفئتين الأولى والثانية بـ”الركاز”، بينما تُسمى الآثار الإسلامية بـ”الكنز”. هذا التقسيم له دلالاته الشرعية والقانونية في تحديد وضعية القطع المكتشفة وكيفية التعامل معها.
آليات التعامل القانوني والشرعي مع الآثار
يُجمع الموقف الشرعي والقانوني في مصر على أن الآثار التي يعثر عليها في أرض مصر تُعد من الأموال العامة التي لا يجوز للفرد تملكها أو حيازتها أو التصرف فيها بغير تصريح من الدولة، سواء وُجدت في أرض تملكها الدولة أو في أرض يملكها أفراد. لذلك، يُعامل الأثر المكتشف على نحو يقتضي إعادته إلى الجهات المختصة وتحويله إلى حوزة الدولة عند عدم ثبوت أي حق خاص أو نقل ملكية قانوني يبرر بقاءه لدى شخص معين. المبدأ الذي تقف خلفه دار الإفتاء والقضاء هو حفظ المصلحة العامة والحقوق التاريخية والثقافية للأمة.
حكم التجارة في الآثار ودلالة أن تكون لقطة أو ملكًا عامًا
عندما يتعذّر إثبات انتقال ملكية الأثر إلى المالك الحالي للأرض، فإن الأثر يصبح لُقَطةً —أي مالًا عامًّا يجب ردّه إلى الدولة— وهو ما عليه العمل في الديار المصرية إفتاءً وقضاءً. هذه القاعدة تمنع أي تبرير لتداول أو عرض الأثر للبيع استنادًا إلى ملكية أرضية عادية، وتؤكد أن التصرفات في الآثار لا تندرج تحت الملكية الخاصة الاعتيادية. من ثم، فإن كل محاولة للمتاجرة بقطع كهذه تتعارض مع الضوابط الشرعية والقانونية المنصوص عليها.
أبعاد الحادث وضرورة التوثيق والمراجعة
الحادثة التي رُصدت في مقبرة خنتي كا أثناء قيام الأثريين بعمليات التوثيق والمراجعة تبيّن أهمية وجود فرق متخصصة تعمل على توثيق المواقع الأثرية بصورة مستمرة، وهو ما يمكّن من كشف أي اختفاء أو تلاعب في القطع بصورة مبكرة. الاعتماد على عمليات التوثيق الدوري يشكل عنصرًا أساسيًا في حماية التراث ومنع أي محاولة للمتاجرة أو إخراج القطع دون إذن الدولة، مع بقاء الإطار الشرعي والقانوني مرجعًا في تحديد مصير القطع المكتشفة.
دور المؤسسات والالتزام بضوابط الدولة
تُؤكد النصوص الشرعية والقانونية كما عرضتها دار الإفتاء على أن التصرف في الآثار رهن بضوابط تصدر عن ولي الأمر وتُنظَّم بالقانون لصالح المصلحة العامة. أي مسعى للمتاجرة بالقطع الأثرية خارج هذا الإطار يُعد مخالفًا، ويجب أن تُلتزم الجهات والأفراد بالتوجيهات الرسمية المعنية بحماية التراث. في ضوء ذلك، تظل مسؤولية الحفاظ على الآثار مسؤولية مشتركة بين السلطات المختصة والمجتمع، مع سيادة قرار الدولة في تنظيم التصرف بها بما يحقق الصالح العام.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.















































































































