كتب: أحمد خالد
قال الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر الشريف، إن تفسير تكرار المفرد والجمع في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم يحمل دلالات بليغة، موضحًا أن التعبير بـ “الظلمات جمعًا والنور مفردًا” يعكس حكمة بيانية ولغوية في القرآن وفي أدعية النبي الكريم. وقد أشار إلى أن كلمات النور والرحمة والنعمة كانت تُذكر في أدعية النبي مفردة، وأن قوله صلى الله عليه وسلم في الدعاء: «اللهم نجِّنا من الظلمات إلى النور» يوافِق البيان القرآني في قوله تعالى: «الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور».
الظلمات جمعًا والنور مفردًا في بيان الدعاء النبوي
أكد الدكتور سلامة داود أن كلمة النور وردت في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة المفرد، في حين جاءت الظلمات بصيغة الجمع، وأن هذا الاختيار اللفظي ليس اعتباطًا بل مقصود. واستشهد بقول النبي: «اللهم نجِّنا من الظلمات إلى النور»، ليبين أن جمع الظلمات يرمي إلى كثرة وتعدد طرق الضلال والباطل، بينما إفراد النور يشير إلى وحدة طريق الحق والهدى. هذه العبارة “الظلمات جمعًا والنور مفردًا” تعبر عن هذا المعنى بوضوح وترد على سؤالٍ لغويٍ وبلاغيٍ في القرآن والسنة.
الدلالة البلاغية واللغوية لتمييز الجمع والفرد
تفسير جمع الظلمات مقابل إفراد النور يعتمد على ملاحظة لغوية وبلاغية دقيقة: فالظلام يأتِي بأشكال وأنواع متعددة، فقد تكون ظلمة جهل، وظلمة ضلالة، وظلمة غفلة، أو غيرها من الظلمات المتشعبة، لذا جاءت الظلمات جمعًا. أما النور فدلالة على الحق والهدى، وهو طريق واحد ينقذ الإنسان من تلك المتعددات، فكان مفردًا. هذا التمييز بين الجمع والفرد يضفي قوة على المعنى ويُبرز أن الخروج إلى النور ليس تعددًا في طرقه، بل هو توحيد للسبيل وقربة إلى الله تعالى، وهو ما شرحَه الدكتور سلامة داود، مشيرًا إلى موافقة ذلك للآية الكريمة: «الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور».
تكرار المفردات في أدعية النبي ودلالاتها
أوضح رئيس جامعة الأزهر أن من الكلمات التي وردت كثيرًا بصيغة المفرد في أدعية النبي صلى الله عليه وسلم: النور، والرحمة، والنعمة. وبيّن أن تكرار كلمة “النور” بصيغة المفرد في دعاء النبي يحمل معنى جليًا، وهو أن طريق النور والهدى واحد لا يتشعب كما تتشعب طرق الضلال. وقد كان النبي يقول في دعائه عند الخروج لصلاة الفجر: «اللهم اجعل في سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي لحمي نورًا، وفي عظمي نورًا… اللهم اجعلني نورًا، واجعل لي نورًا»، مما يبرز رغبة رسول الله في أن ينعكس هذا النور على جميع جوانب وجوده وحياته، وأن يناشده أن يكون سببًا في هداية نفسه ومن حوله.
تجلي المعنى في دعاء الفجر وتطبيقه العملي
استخدم الدكتور سلامة داود مثال دعاء النبي عند خروجه لصلاة الفجر لبيان كيف يتجسد مفهوم “الظلمات جمعًا والنور مفردًا” في حياة المسلم العملية. فالمؤمن الذي يخرج لصلاة الفجر يمر في ظلمات متعددة —ظلمات الليل، وظلمات الشهوات، وظلمات الجهل— لكنه يستضيء بنور الله جل جلاله الذي يهدِي القلوب ويضيء البصائر. هذه التجربة العملية تربط بين النص اللغوي والواقع الروحي، وتؤكد أن النور الواحد يكفي لأن يُخرج الإنسان من كل أشكال الظلمة إن اعتمد عليه وسعى إليه.
توافق البيان النبوي مع البيان القرآني
نوَّه رئيس جامعة الأزهر إلى أن البيان النبوي في صياغته للدعاء يتوافق مع البيان القرآني، إذ قال: «اللهم نجِّنا من الظلمات إلى النور»، وترد نفس الفكرة في القرآن الكريم في الآية: «الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور». هذا التوافق بين القرآن والسنة في اختيار صيغة الجمع للظلمات وصيغة المفرد للنور يضع أمام المسلم نموذجًا بيانيًا متكاملاً لفهم كيف يواجه الدين قضايا الضلال والهداية، ويجعل من كلمة واحدة —النور— مرجعًا موحدًا للحق والهدى، في مقابل تعدد مصادر الظلال.
أثر الفهم البلاغي على الوعي الديني والسلوكي
يشير التفسير الذي عرضه الدكتور سلامة داود إلى أن إدراك الفرق بين جمع الظلمات وإفراد النور يمكن أن يؤثر في وعي المؤمن وسلوكه؛ فمعرفة أن الضلال متعدد قد تحفز المرء على الحذر والانتباه من مصادر التشتت والابتعاد عن الحق، بينما إدراك أن النور واحد قد يدفع إلى التركيز على منهج واحد للهدى والاتباع. وقد بيّن المتحدث أن هذه البصيرة اللغوية والشرعية تساعد في ترسيخ مفهوم الثبات على الطريق القويم والتمسك بمنهج واحد لا يتشعب، وهو ما تضمنته عبارة “الظلمات جمعًا والنور مفردًا” التي كرر شرحها عدة مرات ليُظهر وزنها الفكري والروحي في النصوص الشرعية.
تكرار العبارة وأهميتها في الخطاب الديني
الملاحظة التي ساقها رئيس جامعة الأزهر حول تكرار كلمة النور بصيغة المفرد في أدعية النبي ومقارنتها بجمع الظلمات تُعد مؤشرًا على حرص النص الشرعي على استخدام اللغة للتأثير النفسي والروحي. فإبراز “النور” كمفرد يجعل منه رمزًا مركزيًا ومرجعًا واحدًا للاستقامة، بينما جمع “الظلمات” يحذر من كثرة الطرق التي قد تضلّ، ويحث على السعي إلى النور الواحد الذي يخرج من تلك الظلمات المتعددة. وبهذا المعنى، تصبح عبارة “الظلمات جمعًا والنور مفردًا” مفتاحًا لفهم أعمق لأسلوب البيان القرآني والنبوي في توجيه القلوب والعقول.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.














































































































