كتب: علي محمود
أجاب مفتو دار الإفتاء المصرية على سؤال حول جواز الاستخارة بالدعاء فقط في حال تعذّر أداء الصلاة، مؤكِّدين أن الأصل في الاستخارة هو أداء صلاةٍ مخصوصة ثم الدعاء، وأن الاستخارة بالدعاء وحده تجوز عند تعذُّر الصلاة. وفي ردها المدوّن أوضحت الإفتاء شروط وجواز هذا النوع من الاستخارة والمجال الذي يُسمح فيه للمسلم بالاكتفاء بالدعاء بدلاً من ركعتَي الاستخارة، مع الإشارة إلى أقوال العلماء والأحاديث النبوية المتعلقة بالأمر. كلمة البحث الأساسية في هذا المقال: الاستخارة بالدعاء.
الأصل الشرعي لصلاة الاستخارة
الأصل في الاستخارة بحسب نصِّ الإفتاء أن تكون بصلاة ركعتين ثم الدعاء المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقد نقلت دار الإفتاء نصَّ دعاء الاستخارة عن حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، الذي بيّن أن النبي علّم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها، وأنه يُفترض أن يكون الإجراء بصلاة ركعتين من غير الفريضة ثم الدعاء المأثور. وقد ورد في الحديث نصّ الدعاء كاملاً كما أخرجه البخاري في “صحيحه”، ويُعدّ هذا الإجراء الأصل المعتمد في الشريعة للاستخارة عند مقدرة المسلم على أداء الصلاة.
حكم الاستخارة بالدعاء عند تعذُّر الصلاة
أوضحت الإفتاء أن الاستخارة تتحقّق بالدعاء فقط عند تعذُّر الصلاة، وأن هذا الحكم مبني على أقوال فقهية نقلاً عن علماء كبار. فقد ذكر العلّامة ابن عابدين في “رد المحتار” أن من تعذَّرت عليه الصلاة يجوز أن يستخير بالدعاء، كما نقلت الإفتاء قول الشيخ الكشناوي المالكي في “أسهل المدارك” وقول شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في “أسنى المطالب” الذين أشاروا إلى جواز الاستخارة بالدعاء إذا تعذَّرت الصلاة. وبناءً على ذلك يُعتبر الاستخارة بالدعاء مخرَجاً شرعياً حينما يعيق حكم الشرع أو المصلحة القدرة على أداء الركعتين.
من تجوز له الاستخارة بالدعاء
حدَّدت دار الإفتاء الحالات التي يُجزِز فيها الاستخارة بالدعاء، وهي: الحائض، والنفساء، ومن فُقِد الطهارة، ومن تعذَّرت عليه الصلاة لأي سبب، أو من ضاق عليه وقت اختياره لنفسه فلا يدري ماذا يفعل. كما بيَّنت الإفتاء أنه لا يجوز الاكتفاء بالدعاء لمن امتنع عن الصلاة لغير هذه الأسباب؛ فالمشروعية مقيدة بحكم التعذّر أو السبب المانع من أداء صلاة الاستخارة. وهكذا يصبح الاستخارة بالدعاء حلاً شرعياً لمن لم يتمكن من أداء الركعتين لأسباب طارئة أو مادية أو صحيّة أو زمنية، وفق النصوص والأقوال الفقهية المنقولة عن العلماء.
أدلة العلماء على جواز الاستخارة بالدعاء
نقلت الإفتاء أقوال عدد من العلماء الذين أقرّوا جواز الاستخارة بالدعاء عند تعذُّر الصلاة. قال ابن عابدين: «ولو تعذرت عليه الصلاة استخار بالدعاء»، وهو نصّ مأخوذ من “رد المحتار”. وقال الشيخ الكشناوي: «وإذا تعذرت الاستخارة بالصلاة استخار بالدعاء كالحائض»، وفي “أسهل المدارك”. كما قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري: «ولو تعذرت عليه الصلاة: استخار بالدعاء، وإذا استخار مضى بعدها لما ينشرح له صدره»، ما يشير إلى أن العلماء ربطوا جواز الاستخارة بالدعاء بوجود حالة تمنع أداء الركعتين، وأن علامة قبول الاستخارة هي الانشراح والارتياح للقلب بعد الدعاء.
مشروعية تكرار دعاء الاستخارة وفوائده
لفتت الإفتاء إلى أن المسلم إذا استخار بالدعاء يجوز له أن يكرِّره إلى أيِّ عدد يريد، موضحة أن ذلك موافق لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي يحرّض على كثرة الدعاء ويعدّ له فوائد متعددة. وبيَّنت الدار أن من فوائد الدعاء: اللجوء إلى الله تعالى، وحضور القلب والخشوع، وأن في الدعاء منحًا لثلاثة أمورٍ كما نُقل عن النبي: إما أن تُستجاب الدعوة عاجلاً، أو تُدَّخر له في الآخرة، أو تُصرف عنه من السوء مثلها، وقد رُوِي هذا في روايات عن البخاري وأحمد والحاكم. ومن ثمَّ فإن تكرار الاستخارة بالدعاء لا ينافي حكم التعذّر بل يُعزّز اليقين والتوكُّل ويُعطي فرصة لتهدئة القلب واستجلاء الأمر.
كيفية صلاة الاستخارة ونص الدعاء
حدَّدت الإفتاء كيفية الاستخارة: أداء ركعتين من غير الفريضة ثم التوجّه بالدعاء المأثور الذي علّمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ونص الحديث كما أخرجه البخاري عن جابر بن عبد الله: «إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ… فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ…»، ويتبع ذلك النص الكامل للدعاء الذي يبيّن الطلب من الله سبحانه وتعالى التيسير والتقدير أو الصرف إلى ما فيه خير العبد. وإذا تعذَّرت الصلاة لأحد الأسباب المُبيّنة سلفاً، الأثر المقصود يتحقّق بالدعاء دون الحاجة إلى الركعتين.
شرط إخلاص القلب وبيان علامة الإذن
نوهت الإفتاء بأن الاستخارة لا تتحقّق أثرها المرجو ما لم يُخلِّص المسلم قلبه من الميل إلى خيارٍ معين قبل الاستخارة، إذ إن وجود عزم سابق يجعل الاختيار مجرد تأكيد للهوى، لا طلباً للهداية. وعليه يجب أن يخلص العبد في نيته ويطلب هداية الله بصدق، ومن ثمّ يمضي إلى ما ينشرح له صدره، فالتيسير والانشراح علامة الإذن والقبول. وبهذا الربط بين الإخلاص وسلوك القلب تُذكّر الإفتاء أن الاستخارة دعاءٌ عمليٌ وروحي في آن، يُكمل العمل بالنية السليمة والاعتماد على الله تعالى.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.















































































































