كتب: أحمد خالد
أصدرت دار الإفتاء المصرية بيانًا أوضحت فيه حكم إخفاء أغراض الآخرين بغرض المزاح، بعد ورود سؤال عن تصرف بعض الأصدقاء الذين يختفون متعلقات زملائهم على سبيل الضحك وإعداد المقالب. وحين تناولت الدار هذا الموضوع شرعيًا أكدت أن حكم إخفاء أغراض الآخرين يتحدد بمدى ما يترتّب على الفعل من ضرر أو خوفٍ أو مساسٍ بكرامة الناس، وأن المزاح في أصله مباح ومطلوب إذا كان يهدف إلى إدخال السرور على القلوب دون أذى أو ضرر.
حكم إخفاء أغراض الآخرين في ضوء بيان الإفتاء
نبهت دار الإفتاء إلى أن حكم إخفاء أغراض الآخرين لا يختلف عن ضوابط المزاح عمومًا، فالمزاح المشروع هو الذي يبعث السرور ولا يسبب ضررًا، أما المزاح المحرم فيشمل ما يتضمن ترويع الآخرين أو إلحاق الأذى بهم، ومن ذلك أخذ متاع الغير أو إخفاؤه ولو كان على سبيل اللعب. وقد استدلّت الدار على ذلك بما ورد من أحاديث ونصوص شرعية تُبيّن حدود المزاح المشروع والممنوع، مؤكدة أن الدعابة يجب أن تكون رقيقة لا تسبب ضيقًا أو فزعًا لمن يُمزح معه.
دليل النصوص على حكم إخفاء أغراض الآخرين
استشهدت الإفتاء بسيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في المزاح، مبيّنة أنه كان يمزح مع أهله وأصحابه والأطفال بطريقة لطيفة لا تُشعر أحدًا بالضيق. وورد في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قوله: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَا ذَا الْأُذُنَيْنِ»، وهو مثال على المزاح الشريف الذي اتسم بالرحمة والرقي. وفي المقابل، أشارت الدار إلى أحاديث تنهى عن إخافة أو ترويع المسلم، منها ما ورد في مسند الإمام أحمد عن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا». كما نُقل عنه قوله: «لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا، وَلَا جَادًّا»، وهو نص صريح يدل على أن أخذ متاع الغير ولو كان على سبيل المزاح يعد سلوكًا غير جائز شرعيًا.
آراء العلماء في حكم إخفاء أغراض الآخرين
قدّم عدد من العلماء آراء تؤكد المنع والتحريم فيما يتعلق بأخذ متاع الغير على سبيل المزاح، وبذلك يُستدل على عدم جواز مثل هذه الأفعال. فأفاد الإمام ابن حجر الهيتمي في “تحفة المحتاج” أن أخذ متاع الغير على سبيل المزاح حرام، لأن ذلك يسبب فزع صاحبه ويخرج عن حدود اللطف والرفق. كما أشار الإمام الشوكاني في “نيل الأوطار” إلى أن المزاح الذي يؤدي إلى ترويع المسلم لا يجوز مطلقًا، ولو كان بنية الدعابة، مضيفًا أن النية الطيبة لا تشرّع عملًا يؤدي إلى إيلام أو إخافة الآخرين. وأورد الإمام المناوي في “فيض القدير” نصًا يفيد أن إدخال الخوف أو الفزع في قلب المسلم بأي وسيلة يعد أمرًا محرمًا، لأن المسلم الحق هو من يسلم الناس من لسانه ويده.
فروق شرعية بين المزاح المشروع والمقالب الضارة
توضّح نصوص الإفتاء والنصوص الشرعية الفرق بين المزاح المشروع والمقالب الضارة التي تنطوي على أخذ متاع الآخرين أو إخفائه. وبحسب البيان، يتميز المزاح المشروع بأنه يدخل السرور على القلب دون أذى، وأنَّ من عباراته وحركاته ما يكون لطيفًا لا يترك أثرًا سيئًا، بينما تشمل المقالب الضارة أفعالًا كالاستيلاء على ممتلكات الغير أو إخفائها، أو التصرّف بطريقة تثير الخوف أو الضيق، وهو ما حذّر منه الشرع بشكل صريح.
آثار إخفاء الأغراض على الضحايا ومرتكبي المقالب
تبيّن الإفتاء أن مثل هذه المقالب التي تتضمن أخذ متاع الغير أو إخفاءه لا تقتصر آثارها على لحظة الضحك العابرة، بل قد تترك أثرًا من الفزع أو الانزعاج أو فقدان الثقة بين الناس. كما أن مخالفة حد الأدب والمروءة في المزاح قد تلقي بتبعات شرعية وأخلاقية على مرتكب الفعل، ويفتح بابًا للنزاع أو الشكوى بين الأصدقاء وزملاء العمل أو الدراسة. لذلك أكدت الدار على أهمية مراعاة مشاعر الآخرين والتثبت من عدم تعرّض من يشارك في الدعابة لأي أذى مادي أو نفسي.
معايير مبسطة لاختبار مشروعية المقالب التي تشمل أخذ المتاع
أوضحت دار الإفتاء أن معيار المشروعية في المزاح، بما فيه حكم إخفاء أغراض الآخرين، يرتكز إلى قاعدة أساسية: ألا يكون في المزاح إلحاق ضررٍ أو إثارة خوفٍ أو ترويعٍ. واعتبرت الدار أنه ما دام هدف المزاح إدخال السرور دون أذى، فإنه مباح ومطلوب، أما إن كان المزاح سببًا في فزع أو فقدان لملك الغير أو إحداث ضرر، فإنه من المزاح المحرم. وبذلك تُرجع الإفتاء الحُكم إلى واقع الفعل ونتائجه على الناس، لا إلى مجرد نية الدعابة وحدها.
توصيف إجرائي لما تضمنه بيان الإفتاء حول حكم إخفاء أغراض الآخرين
خلاصة ما ورد في بيان دار الإفتاء أن حكم إخفاء أغراض الآخرين على سبيل المزاح يترتب عليه حكم الشرع وفق مبدأ حفظ النفس والمال والكرامة: إن كان المزاح يلقى قبولًا ويدخل السرور دون إزعاج فهو مباح، وإن كان يتضمن ترويعًا أو أذية أو أخذًا غير مشروع لمتاع الغير فهو محرم. وامتدادًا لهذا، ركزت الدار على أن أحكام الشرع ونواهيه تتخذ من الحفاظ على أمن الناس وسلامتهم معيارًا لقياس سلوكيات الدعابة وما يقع في إطارها من أفعال مثل المقالب وإخفاء المتعلقات.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.














































































































