كتب: علي محمود
شهد الملف الدولي خلال الأيام الماضية تحوّلاً سريعاً مع إعلان الإدارة الأميركية سلسلة من الإجراءات الاقتصادية التي استهدفت عملاقَي النفط الروسيين، ما أعاد طرح سؤال مركزي: هل تكفي عقوبات ترامب على نفط وغاز روسيا لدفع العالم إلى وقف مشترياته وتمويل الحرب؟ يقصد بهذا السؤال قدرة واشنطن على إجبار أسواق الطاقة العالمية على الانقطاع عن واردات موسكو، وما إذا كان ذلك سيؤدي فعلاً إلى إضعاف قدرة الكرملين المالية لتمويل الحرب وإمكانية دفع مسار سلام في أوكرانيا. عقوبات ترامب على نفط وغاز روسيا طُبّقت بصورة فورية على شركتيّ روسنفت ولوكوويل، الأمر الذي حمل معه تحذيراً واضحاً للشركات التي تشتري النفط الروسي من خسارة الوصول إلى النظام المالي الدولي المرتبط بالدولار.
رد فعل الأسواق الدولية وآثار فورية
كان تأثير عقوبات ترامب على نفط وغاز روسيا سريعاً وملموساً في مؤشرات السوق العالمية؛ إذ سجّل سعر النفط ارتفاعاً بنحو 6% خلال ساعات عقب الإعلان، كما ترددت أنباء عن توقف فوري في شحنات نفط إلى أكبر مصافي الهند، التي تُعد أكبر زبون لخام موسكو، وإلى كبرى شركات النفط المملوكة للدولة في الصين. ويعكس هذا التفاعل الحاد هشاشة سلاسل التوريد في وجه صدمات جيوسياسية، ومحاولات المشترين لإعادة تقييم مخاطرتهم من فقدان الوصول إلى النظام المالي المعتمد على الدولار.
تأثير العقوبات على مشتريات الهند والصين
تأثّر سوقا الهند والصين بشكل مباشر بتهديدات خسارة الوصول إلى النظام المالي، إذ أصبحت هاتان الدولتان المستوردَين الأكبر للنفط والغاز الروسي منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا قبل أكثر من ثلاث سنوات ونصف. يتضح أن عقوبات ترامب على نفط وغاز روسيا وضعتهما أمام معادلة شديدة التعقيد: الاستمرار في الشراء قد يعرض شركاتهما لعقوبات مالية دولية، بينما التوقف سيؤدي إلى اضطرابات في الإمداد وأسعار السوق. ومع ذلك، أشار بعض المراقبين إلى أن واردات روسيا إلى مصافي الهند التابعة للدولة انخفضت بالفعل في سبتمبر إلى أدنى مستوياتها منذ مايو 2022، مسجلة تراجعاً شهرياً بنسبة 38%، ما يمنح أملاً جزئياً في إمكانية تقليص الاعتماد الآسيوي على النفط الروسي.
حجم الخسائر المتوقعة لإيرادات الكرملين
حذّر محلّلون من أن انخفاضاً كبيراً في واردات آسيا من الوقود الأحفوري الروسي سيكون له أثر مدمر على عائدات التصدير الروسية. أشار لوك وِيكندِن من مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف إلى أن نحو 86% من صادرات النفط الروسي بين يناير وسبتمبر اتجهت إلى الصين والهند، وأن فقدان هذين السوقين قد يكبد موسكو خسارة تقريبية قدرها 7.4 مليار دولار شهرياً من الإيرادات، ما يترجم إلى نحو 3.6 مليار دولار في الإيرادات الضريبية الشهرية المتدفقة إلى خزينة الكرملين لتمويل الحرب. وإذا ما توقفت الهند بمفردها عن شراء النفط الروسي، فقد يخسر الكرملين ما يقارب 1.6 مليار دولار شهرياً من العائدات الضريبية، وفقاً للأرقام الواردة.
آليات التهرب والطرق البديلة لصادرات الطاقة الروسية
على الرغم من تراجع الإيرادات إلى أدنى مستوياتها منذ بدء الغزو، لا تزال مشتريات آسيا وأوروبا الشرقية وعمليات شحن الغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي تُبقي على مستوى من الإيرادات الروسية. كما تُستخدم ناقلات قديمة تُعرف باسم “ناقِلات الظل” لنقل ملايين الأطنان من النفط تفادياً للعقوبات الغربية، مما يشير إلى وجود شبكات معقدة تسمح لموسكو بالاستمرار في تسييل صادراتها حتى في وجه إجراءات دولية متزايدة.
موقف الصين والهند من الضغوط الأميركية
تلقّت إدارة ترامب استجابة باردة من بكين مع وصف الصين لسياسات واشنطن بأنها “بلطجة أحادية” و”إكراه اقتصادي” على خلفية مشترياتها، وهددت باتخاذ “مضادات حاسمة” إذا ما تضررت مصالحها. في المقابل، أعلن ترامب أن رئيس وزراء الهند أبلغه خلال مكالمة هاتفية أن نيودلهي “لن تشتري كثيراً من النفط الروسي” وأنه يرغب في رؤية نهاية الحرب بين روسيا وأوكرانيا، لكن الهند لم تؤكد علناً خططاً لتقليص وارداتها. هذه المواقف تعكس حساسية العلاقة بين الضغوط الأميركية وحق الدول في تأمين موارد الطاقة لاقتصادياتها.
دور الولايات المتحدة وفرصها الاقتصادية والجيوسياسية
من منظور واشنطن، يحمل تقليص اعتماد العالم على الوقود الروسي فوائد مزدوجة: إضعاف قدرة الكرملين على تمويل الحرب وإتاحة فرص تصديرية ممنوحة للغاز الأميركي المسال. فقد أصبحت الولايات المتحدة أكبر مُورد للغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا منذ تراجع واردات خطوط أنابيب الغاز الروسية، حيث شكلت أكثر من 55% من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز المسال العام الماضي، مقابل أرقام متدنية قبل عام 2019. ومع قرار الاتحاد الأوروبي بالبدء في إيقاف واردات الغاز الروسي تدريجياً حتى مطلع 2027، يمكن أن تتزايد صادرات الغاز الأميركية إلى السوق الأوروبية.
دور الاتحاد الأوروبي وانتقادات الاعتماد المتبقي على روسيا
رغم تحسّن موقف أوروبا وانخفاض اعتمادها على الطاقة الروسية، فإن الاتحاد لا يزال يشتري كميات من النفط والغاز الروسي، بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال، ما وصفه بعض المحللين بـ”وصمة عار” على التكتل. تشير بيانات مراكز الأبحاث إلى أن الاتحاد الأوروبي استحوذ على نحو نصف صادرات الغاز الطبيعي المسال الروسية، بينما ظل مشترياً رئيسياً للغاز عبر الأنابيب. دول مثل المجر وسلوفاكيا كانت من أكبر المستوردين داخل التكتل خلال الفترة الأخيرة، كما واصلت بلدان أخرى مثل فرنسا وبلجيكا وهولندا وارداتها بكميات متباينة من الغاز الروسي على شكل غاز مسال تم شحنه لاحقاً إلى دول أخرى.
مبررات التشديد وصعوبات التطبيق
بينما يراهن بعض المحللين على أن تشديد العقوبات قد يؤدي إلى خفض إيرادات موسكو وإحداث ضغط نحو التسوية، يحذر آخرون من أن النجاح النهائي سيعتمد على درجة الحزم في تطبيق العقوبات واستجابة الدول والشركات المعنية. تُشير الوقائع إلى أن العقوبات أوقعت صدمة أولية في الأسواق وأجبرت بعض المشترين على إعادة تقييم تعاملاتهم فورياً، لكن استمرار التأثير يعتمد على قدرة المجتمع الدولي على قطع القنوات المتاحة لتجارة النفط والغاز الروسية ومواجهة سبل الالتفاف القائمة.
فرص السلام والرهان على التنفيذ الصارم
بالنسبة لأنصار السياسة الأميركية الجديدة، يمكن أن تُحوّل عقوبات ترامب على نفط وغاز روسيا المعركة الاقتصادية إلى أداة ضغط دبلوماسي تهدف إلى خلق ظروف تؤدي إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا وفي الوقت ذاته تعود بأرباح لصادرات الطاقة الأميركية. ومع ذلك، يظل مستقبل هذا المسعى رهناً بمدى تعاون الشركاء الدوليين، ومرونة الأسواق، وقدرة موسكو على إيجاد بدائل للتصدير. وفي تقييم تفاؤلي لأحد القادة الفكريين في هذا الحقل، لا ينبغي الاستهانة بقدرة ترامب على تحويل سياسات الطاقة لمكاسب سياسية واقتصادية، إذ ختم قائلاً: “لا تراهن أبداً ضد ترامب”.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.















































































































