كتب: أحمد خالد
ورد سؤال إلى د. عطية لاشين أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة عبر صفحته الرسمية بالفيسبوك حول واقعة طبيبة أسنان خَدَرَت زوجها ونزعت أسنانه بعد زواجه من أخرى، فأجاب موضحًا أن الحكم الشرعي في مثل هذه الوقائع يتطلب تحميل المعتدية مسؤولية دينية ودنيوية، وأن “دية خمس من الإبل عن كل سن” هي الجزاء الشرعي المقرر عن خلعه للأسنان وفقًا للأحاديث النبوية المتواترة. دية خمس من الإبل عن كل سن جاءت في سياق تفسير نصوص الشريعة وبيان أثر الإيذاء الجسدي على الحقوق، كما شرحها لاشين مستندًا إلى القرآن والسنة وإجماع العلماء.
سؤالُ السائل وإحالة الواقعة إلى الفقه
جاء السؤال إلى د. عطية لاشين مفصلًا: تزوج رجل على زوجته، ولما علمت الزوجة وكانت طبيبة أسنان، قامت بتخديره ونزعت أسنانه. وسأل السائل عن حكم الشرع في هذا الفعل. استهل لاشين إجابته ببيان عام لمقاصد التشريع ومبدأ طاعة الشرع، مستشهدًا بآيات من القرآن الكريم: «ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير» وبيانًا من أحاديث النبوة عن قيمة السن في ديات الأذى الجسدي.
الأساس الشرعي: النصوص القرآنية والحديثية
أوضح لاشين أن الشريعة جاءت لتنظيم حياة الناس ومعاملاتهم، وأن من تشريعات الله سبحانه وتعالى إباحة تعدد الزوجات بشروط الإنفاق والعدل، مستشهداً بالمقتضى العقلاني والنصوص الشرعية. ثم استشهد بآية تحرم إيذاء المؤمنين: «والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً»، ورأى أن هذا النص ينسجم مع حكم شرعي يقضي بمحاسبة من أضر جسد إنسان بغير وجه حق. وانتقل إلى الحديث النبوي المتعلق بثمن السن، حيث نقل أحاديث: «في السن خمس من الإبل» و«في الأسنان خمس خمس»، مشيرًا إلى روايات النسائي وأبي داود وابن عباس التي وردت فيها هذه الأقوال لتحديد قيمة الدية عن السن أو الضرس.
تكييف الفعل: جريمة محرمة لا يبررها الغيرة
حكم لاشين على فعل الزوجة بأنه فعل محرّم شرعًا وجريمة يُعاقَب عليها في الدنيا والآخرة، لأنه اعتداء على جسد إنسان بغير وجه حق واستخدام للمهنة في مقام يغرِضه الشرع. شدد على أن الغيرة أو الحزن من زواج الزوج بغيرها لا يبرران الاعتداء أو الانتقام، وأن الانتقام يعد مخالفة لشرع الله، مؤكّدًا على ضرورة الاحتكام إلى أحكام الشرع في كل ما يخص المسلم ومسلمته.
الدية الشرعية والتطبيق العملي: دية خمس من الإبل عن كل سن
بيّن لاشين أن العقوبة الدنيوية على هذا الفعل تتجسّد في دفع الدية الشرعية للزوج عن كل سن أو ضرس أُخلع. وحسب الأحاديث المذكورة، تكون الدية “خمس من الإبل” عن كل سن أو ضرس. وفقًا للحساب الشرعي الذي عرضه، إذا أُخلعت جميع الأسنان والضروس وعددها اثنان وثلاثون، فتصير الدية الإجمالية مائة وستون من الإبل (160)، وما يعادل قيمة مالية تُحدَّد بحسب أسعار الإبل في كل زمن من قبل الجهات الشرعية المختصة. أشار لاشين إلى أن هذا الحكم يحقق العدالة ويردع المعتدي ويصون حقوق الإنسان وحفظ جسده، كما يطابق ما ورد في السنة النبوية.
مسؤولية المرأة ودعوة للتوبة ورد الحقوق
اختتم لاشين بيانه بالقول إن الزوجة في هذه الواقعة آثمة شرعًا وعليها التوبة إلى الله ورد الحقوق إلى صاحبها، مُستندًا لحديث القرآن الكريم: «والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً». وأكد أن التوبة ورد الحقوق شرطان لازمان لتقويم الفعل المذموم شرعًا، وأن العدالة تقتضي رد الأضرار وتعويض المتضرر بما حدده الشرع من دية.
اعتماد الشرع منهجًا وحقيقة النور في القرآن والسنة
نوّه لاشين بأن على المسلم والمسلمة أن يمنحا عقولَهما ما جاء في شرع الله تعالى، وأن الانحراف نحو أفكار تدّعي التنوير لا يعوّض نور الشريعة، مستشهداً بأوصاف القرآن والرسالة الإسلامية بـ«النور» في عدة آيات مثل: «الله نور السماوات والأرض» و«قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين» و«قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً». ربط لاشين بين الالتزام بنصوص الشريعة وبين حفظ الحقوق الاجتماعية والأخلاقية وعدم السماح للهوى والغيرة بأن تقود إلى أفعال تنتقص من كرامة الناس وحريتهم.
العدالة والردع في التشريع: الغاية من الدية
أوضح الفقيه أن الدية ليست مجرد عقوبة مالية، بل أدوات شرعية لتحقيق العدالة وردع المعتدي، وصيانة للأبدان من الأذى مهما تباينت الأسباب والدوافع. وذكّر بأن تطبيق حكم الدية يتطلب تحديد عدد الأسنان المخلوعة وحساب دية كل سن بخمسة من الإبل وإحالة القيمة المالية إلى الجهات الشرعية المختصة التي تقدّرها بالمال حال عدم توفر الإبل، بما يتوافق مع أحكام الفقه المتعارف عليها.
خلاصة الفتوى العملية
لخص لاشين موقفه بأن الزوج الذي تزوج بامرأة ثانية لم يرتكب جريمة شرعية إذا استوفى شروط الشرع، وأن التعدي بالاعتداء على جسم الزوج أو أي إنسان فعل محرّم وجريمة يجب التعامل معها بالتوبة ورد الحقوق ودفع الدية الشرعية. ورأى أن المشرع الإسلامي قد نصّ على أحكام واضحة في مثل هذه القضايا، ومن حق المجني عليه أن يطالب بحقه الشرعي والدنيوي، مع التأكيد على أن الاحتكام إلى شرع الله هو الضابط الأول في معالجة مثل هذه النزاعات الاجتماعية والأسرية.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.














































































































