كتب: صهيب شمس
تعددت التساؤلات حول أثر بقايا الطعام في الفم على صحة العبادة، خاصة الصلاة والصيام، ومتى تكون المضمضة ضرورية بعد الأكل أو قبل الوضوء. بقايا الطعام في الفم يمكن أن تؤدي إلى لغط بين المصلين والصائمين بشأن الحكم الشرعي، لذا أجابت دار الإفتاء على هذه المسائل بتفصيل استند إلى أقوال علماء ومفتين معروفين، مع توضيح فروق بين العمد والسهو ومدى تأثير البقايا على الوضوء والصلاة والصيام.
حكم بقايا الطعام في الفم أثناء الصلاة والصيام
أوضح الدكتور أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن بقايا الطعام في الفم لا تُلزم المضمضة إلا إذا كانت هناك قطع طعام ظاهرة داخل الفم يمكن ابتلاعها عمدًا أثناء الصلاة، لأن الابتلاع العمدي للأكل أو الشرب أثناء الصلاة يعد من مبطلاتها باتفاق العلماء. وأضاف ممدوح أن ما يكون من فضلات بسيطة بين الأسنان يُعفى عنه بحكم خفة الأمر، فلا يُعد أكلًا يَبطل الصلاة أو الصيام ما لم يُبتلع عمدًا. كما بين أن من ابتلع بقايا الطعام سهواً فصلاته صحيحة، لكنه استحب من أكل بعد الوضوء أن يتمضمض حتى لا تبقى آثار الطعام في الفم.
من جهة أخرى، تناول مجمع البحوث الإسلامية مسألة الصيام، مؤكدًا أن وجود بقايا الطعام في الفم عند الصائم لا يؤثر على صحة صومه ما دام لم يبتلعها. وأوضح المجمع أن الابتلاع عن عمد يبطل الصوم، أما إذا حدث الابتلاع ناسيًا أو جاهلًا فلا حرج على الصائم. وشدد البيان على ضرورة تنظيف الفم بعد الأكل تحرّزًا للطهارة واليسر في العبادة.
هل بقايا الطعام في الفم تبرر المضمضة في الوضوء؟
أفادت دار الإفتاء بأن العلماء اختلفوا في حكم المضمضة ضمن أركان الوضوء: فريق اعتبرها واجبة لأنها من أجزاء غسل الوجه، وآخرون رأوها سنة وليست فرضًا، بينما اتفق السلف على حرص النبي صلى الله عليه وسلم على المضمضة والاستنشاق في الوضوء. وبناءً على هذا الاختلاف، فمسألة المضمضة بعد الأكل مرتبطة بما إذا كانت آثار الطعام تمنع صحة الوضوء في نظر المكلّف أو تُعيق الطهارة المرغوبة؛ إلا أن النصوص والأقوال المتاحة تؤكد استحباب المضمضة عمومًا خاصة بعد الأكل لتلافي بقاء آثار الطعام في الفم.
كما بينت تصريحات أمين الفتوى أن الأكل والشرب لا ينقضان الوضوء، وأن من أكل أو شرب بعد الوضوء فوضوؤه لا يُنتقض بحسب ما ذكره الشيخ محمد عبد السميع، أحد أمناء الفتوى خلال بث مباشر. وبذلك يتضح أن وجود بقايا الطعام في الفم لا يُعد سببًا لنقض الوضوء بحد ذاته، لكن يُنصح بالمضمضة لتطهر الفم.
الأفعال التي قد تُبطل الصلاة وحدودها
تطرّق الدكتور أحمد ممدوح إلى الأفعال داخل الصلاة بين مأمورة وغير مأمورة، معتبرًا أن كثرة الأفعال غير المأمورة قد تُؤثر في الصلاة إذا خرجت عن حدود الاعتدال أو كانت متتالية ومبالغًا فيها، بينما إذا كانت قليلة فلا تبطل الصلاة. وأكد أن التفريق بين القليل والكثير يعود إلى العرف وفق القاعدة الفقهية المعروفة، ومن ذلك حكم الأفعال الصغيرة أثناء الصلاة التي لا تُعد أكلًا حقيقيًا كوجود فضلات بسيطة بين الأسنان.
في ضوء ذلك يتبين أن مجرد وجود بقايا الطعام في الفم ولم تُبتلع عمدًا لا يندرج عادة في دائرة مبطلات الصلاة، إلا عند تحولها إلى أكل أو شرب ظاهر يقيم في لسان الشارع كأحد مبطلاتها.
القبلة واتجاه الصلاة وتأثير الخطأ على الصحة
أشار الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء، إلى أن استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة، ومن صلى في غير اتجاهها دون علم ثم تبين له الخطأ فعليه إعادة الصلاة إن أدرك الخطأ أثناءها أو بعد انتهائها. أما من اجتهد في معرفة القبلة وصلى على أساس اجتهاده ثم تبين له خطأ الاتجاه بعد زمن، فعليه تصحيح اتجاهه في المرات القادمة فقط.
هذا البيان يوضح أن اعتبارات القبلة مستقلة عن مسائل بقايا الطعام في الفم؛ فخطأ القبلة متعلق بصحة الصلاة من جهة الاتجاه، بينما بقايا الطعام في الفم تدخل في دائرة ما إذا كان في الفم أكل أو شرب يمكن الحكم به كمبطل للصلاة.
الذكر والكلام أثناء الوضوء وأثر طعام الفم على العبادة
أوضح الدكتور مجدي عاشور، المستشار السابق لمفتي الجمهورية، أن الكلام أو الحديث أثناء الوضوء لا يفسد الوضوء لكنه يُستحب تجنبه تحقيقًا للخلوص والخشوع، وأن الذكر أثناء الوضوء خارج الحمام من السنة النبوية. كما شدد عاشور على أن وجود طعام في الفم لا يُبطل الوضوء، لكنه يُبطل الصلاة إذا كان الأكل أو الشرب قد وقع بالفعل أثناء الصلاة، لأن الأكل والشرب من مبطلاتها.
وبتجميع أقوال الفقهاء والمفتين المشار إليهم، يتضح نمط الحكم: بقايا الطعام في الفم لا تُبطل الوضوء، ولا الصيام إذا لم يُبتلع، ولا الصلاة ما لم يتحول وجودها إلى أكل أو شرب مُكتسب أو مبطّل أثناء الصلاة. ومع ذلك فالإقبال على المضمضة بعد الأكل مستحب لتلافي الإشكاليات والحفاظ على طهارة الفم، ومن باب الاحتياط واليسر يُنصح المصلون والصائمون بتنظيف الفم بعد الطعام وعدم الاعتماد على الجهل بحكم البقايا، مع مراعاة قواعد العرف في تحديد مبالغات الأفعال داخل الصلاة.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.














































































































