كتب: أحمد خالد
يبدأ من منتصف ليل اليوم الخميس العمل بالتوقيت الشتوي وذلك بتأخير الساعة 60 دقيقة، وهو ما أثار تساؤلات حول مدى تأثير التوقيت الشتوي على مواقيت الصلاة والصيام وملاءمته للأحكام الشرعية. التوقيت الشتوي، وفق ما ورد في التصريح، سيُطبق بتأخير الساعة ساعة كاملة، ويتولى رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير إعلان هذا الإجراء، الأمر الذي دفع إلى استيضاح موقف الفقهاء والعلماء من مثل هذه التغييرات الزمنية وأثرها على العبادات.
التوقيت الشتوي ووجهة النظر الشرعية
فضيلة الدكتور علي جمعة، المفتي الأسبق، أوضح موقفاً فقهياً مهماً من مسألة التوقيت الشتوي والتوقيت الصيفي بوجه عام. فقد اعتبر د. جمعة أن هذه المسألة تندرج تحت مسمى الاجتهاد العملي الذي يعود فيه القرار إلى من يتولى شؤون المصلحة العامة من أولي الأمر، لأن تغيير الساعات وتنظيم الوقت يدخل في إطار المصلحة التنظيمية والاجتماعية. ومن هذا المنطلق، يُنظر إلى التوقيت الشتوي كقرار إداري يهدف إلى تنظيم ساعات العمل والحياة اليومية، وليس كأمر يُبدل أحكام الشريعة أو يغير من خلق الله تعالى.
هل يؤثر التوقيت الشتوي على مواقيت الصلاة والصيام؟
رأى المفتي الأسبق صراحة أن التوقيت الشتوي لا يؤثر على مواقيت الصلاة والصيام، مؤكداً أن تأخير الساعة يظل إجراءً تنظيمياً لا يعدُّ تغييراً في خلق الله ولا تعدياً على حدود العبادة. وبناء على هذا الرأي، فإن توقيت الأذان ومواقع الشروق والغروب على الوهلة العلمية لا تتغير بحركة عقارب الساعة الإدارية، بل تبقى مواعيد العبادة مرتبطة بحركة الشمس الظاهرية، التي هي الأصل في تحديد أوقات الصلاة والصيام. بذلك يطمئن المكلفون إلى أن اعتماد التوقيت الشتوي لا يلغي أحكام العبادات ولا يغير من أوقاتها الشرعية الحقيقية.
آلية اتخاذ قرار التوقيت الشتوي وأسبابه
أشار الدكتور علي جمعة إلى أن مجال النظر في موضوع التوقيت واسع، وأن للسلطات المختصة حرية الاجتهاد ما دام هذا الاجتهاد لا يؤدي إلى اختلال في أداء العبادات أو اضطراب في النظام العام. ويعطي هذا الطرح تبريراً لضرورة التمييز بين الترتيبات الإدارية للتوقيت مثل اعتماد التوقيت الشتوي أو الصيفي، وبين الثوابت الشرعية المتعلقة بتحديد مبدأ اليوم ومنتهاه، كما أن الاعتماد على مصلحة الناس والظروف المجتمعية يُعدُّ معياراً لقبول مثل هذه القرارات. ومن ثم، فإن قرار العمل بالتوقيت الشتوي يُفهم على أنه إجراء عملي يسعى لتنظيم شؤون الحياة دون المساس بمجالات العبادة إذا ما التزمت الجهات المنفذة بذلك.
التوقيت الشتوي والتوقيت الزوالي والغروبي في حياة المسلمين
تناول الحديث أيضاً الفرق بين التوقيت الزوالي والتوقيت الغروبي، موضحاً أن المسلمين تاريخياً ساروا على التوقيت الزوالي تبعاً لأهل المكان الذين يعيشون فيه. والمراد بالتوقيت الزوالي هو الاعتماد على تقويم زوال الشمس ومظاهرها لتحديد الأوقات، بينما التوقيت الغروبي يرتبط بمظاهر الغروب والشفق. وبيّن الدكتور علي جمعة أن التوقيت الغروبي قد يكون الأنسب في أحيان كثيرة للعبادات والمعاملات، إذ ينسجم مع الأدلّ من حيث بداية ونهاية اليوم وفقاً للشمس وما تقتضيه من توقيت للعبادات. ومع ذلك، فاعتماد التوقيت الشتوي أو الصيفي يبقى قراراً اجتماعياً وتنظيمياً لا يتناقض بالضرورة مع التزامات العباد ما دام المعنيون يلتزمون بتحديد مبدأ اليوم ومناهيه على نحو واضح لا يسبب إرباكاً في أداء الصلاة أو الصيام.
التوقيت الشتوي ومعايير عدم الاضطراب في العبادات
أكدت تعليقات المفتي الأسبق على وجود مساحة للرأي في مسائل التوقيت، ما دامت لا تؤدي إلى اختلال في عبادة أو اضطراب في النظام. ومن هذا المنطلق، ينبغي على الجهات المختصة عند الإعلان عن التوقيت الشتوي مراعاة وضوح الإشعارات والبيانات للمواطنين والمقيمين حتى يعلم الناس كيفية ضبط ساعاتهم مع احترام مواقيت الصلاة والصيام الحقيقية. كما يستفاد من حديثه أن التزام الناس بتوقيت مجتمعاتهم في ظل وجود قرار إداري من شأنه تسهيل التعامل اليومي لا يعد خروجاً عن الدين الإسلامي ولا تغييراً في خلق الله تعالى، بل هو ضبط لتنظيم الحياة بحسب ما تقتضيه المصلحة.
دور السلطات وأولوية المصلحة في تطبيق التوقيت الشتوي
من منظور الدكتور علي جمعة، يعود للسلطات المختصة تقدير مصلحة الناس عند اختيار توقيت العمل، ولهذا ينبغي أن تستند مثل هذه القرارات إلى دراسات عملية تراعي مصلحة المجتمع وتضمن ألا تُحدث اضطراباً في العبادات والوظائف الحيوية. ويُفهم من ذلك أن إعلان بدء العمل بالتوقيت الشتوي يتطلب توعية عامة وإجراءات انتقالية واضحة لتقليل الشكوك بين المواطنين، مع التذكير بأن التوقيت الحقيقي للصلوات مرتبط بحركة الشمس وليس بتغيير الساعة الإدارية.
توجيهات عملية للمواطنين مع تطبيق التوقيت الشتوي
بناءً على مضمون الرأي الشرعي، يمكن القول إن على المواظبين على الصلوات والمشتغلين بتحديد مواقيت العبادات الحرص على الرجوع إلى مواقيت الشروق والغروب وزوال الشمس في أماكن إقامتهم، وعدم الاعتماد الكلي على تغيير الساعة بوصفه مقياساً لبدء العبادة أو نهايتها. ومع تطبيق التوقيت الشتوي، يُستحسن أن يطلع كل فرد على طرق حساب المواقيت المحلية وأن يعتمد الجداول الموثوقة للمساجد أو المؤسسات العلمية المختصة لتجنب الالتباس، مع العلم أن المسألة من قبيل الاجتهاد في تنظيم الوقت العام وهي قائمة على المصلحة التي تراها الجهات المختصة.
يمكنك مشاركة الخبر على صفحات التواصل. مدير تحرير الموقع نبيل الشيمى جميع حقوق النشر محفوظة لدى مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر — الجمهورية أون لاين. ويُحظر نشر أو توزيع أي مادة دون إذن مسبق من مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر © 2020
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.











































































































