كتب: صهيب شمس
بين سعي الدولة لضبط الأداء الإداري داخل المؤسات، صدر حكم من المحكمة التأديبية يقضي بتوقيع الإنذار على رئيس قطاع الشؤون القانونية في إحدى الشركات الهندسية، بعدما ثبت إهماله في أداء مهامه وتقصيره في متابعة أعمال موظفة كانت تحت إشرافه. وكشفت حيثيات الحكم أن المسؤول لم يُسند سوى أربع قضايا لإحدى المحاميات منذ تعينها، فيما كانت إدارة الشؤون القانونية تحتوي خلال التفتيش الفني على 38 ملفاً قانونياً. وأكدت المحكمة أن ما ارتكبه يمثل إخلاً جسيمًا بواجباته المهنية ويؤثر سلباً على كفاءة سير العمل. كما أشارت إلى أن الإهمال الإداري لا يُستهان به، وأنه يستوجِب تطبيق العقوبات التأديبية المناسبة على من يخفق في واجباته. كما أكدت المحامية خلال التحقيقات أنها لم تُكلف إلا بعد محدود من القضايا، وهو ما دفعها لطلب تأجيل التفتيش الفني بسب قلة الأعمال المسندة إليها. بينما بر المسؤول ذلك بأنها ما زالت تكتسب الخبرة من حضور الجلسات، إلا أن المحكمة رفضت هذا التبرير واعتبرته إهمالاً يستوجب العقاب.
أبعاد الحكم ومحدات العقوبات التأديبية
يأتي الحكم في إطار سعي الدولة إلى ضبط الأداء الإداري داخل المؤسات التي قد تساهل في توزيع الأعمال وتقيم الأداء. فقد أكدت المحكمة أن الإهمال الإداري يشكل إخلاً جسيمًا بواجبات الوظيفة، وأنه قد يعرقل سير العمل ويؤثر في كفاءة الإدارة، وهو ما يبر اعتماد عقوبة الإنذار كخطوة أولى ضمن سلة عقوبات تهدف إلى تعزيز المساءلة. كما أشار الحكم إلى أن هذه العقوبات التأديبية ليست مجرد إجراءات شكليات، بل أدوات تنظيمية تهدف إلى حماية مصالح العمل وتحسين الأداء العام. وفي سياق ذلك، أوضح القاضي أن النظام الذي يحكم هذه الوقائع يفرض على كل موظف تحمل مسؤولياته كاملة وتوزيع الأعمال بطريقة تضمن سير العمل بسلاسة وكفاءة. وتؤكد هذه القرات أن هناك مساحة لعقوبات التأديبية كمنظومة رادعة تحمي المعاير المهنية وتمنع أي تقصير قد ينعكس سلباً على جودة الخدمات المقدمة.
الوقائع التي بني عليها الحكم
وفقاً لما ورد في حيثيات الحكم، فإن رئيس قطاع الشؤون القانونية لم يُسند إلا أربع قضايا إلى المحامية التي تشرف على قسمها منذ تعينها، في حين كانت هناك 38 ملفاً قانونياً في الإدارة خلال فترة التفتيش الفني. هذه الصورة تشير إلى وجود انخفاض واضح في متابعة القضايا وتدقيق الإجراءات، وهو ما اعتبرته المحكمة إخلاً جسيمًا بالواجب الوظيفي وبمستوى الإشراف المطلوب. من جهة أخرى أشارت الحيثيات إلى أن المحامية أكدت خلال التحقيقات أنها لم تُكلف إلا بعد محدود من القضايا، وهو ما دفعها لطلب تأجيل التفتيش الفني بسب قلة الأعمال المسندة إليها. وفي المقابل بر المسؤول ذلك بأن المحامية ما زالت تكتسب الخبرة من حضور الجلسات، إلا أن المحكمة لم تقبل هذا التبرير واعتبرته دليلاً على الإهمال الذي يستوجب العقاب. وبناء على هذه الوقائع، رأت المحكمة أن تقصير الإشراف والتوزيع غير المتوازن لأعباء يؤدي إلى وجود خل واضح في الأداء، وهو ما يعز فرضية وجود إخلال جسيم بالواجبات المهنية.
دفاع المحامية والمتهم أمام المحكمة وتقيم الحكم
في إطار جلسات التحقيق والترافع، أكدت المحامية أنها لم تُكلف إلا بعد محدود من القضايا، وأنها طالبت بتأجيل التفتيش الفني بسب قلة الأعمال المسندة إليها. وقد أضافت أنها لم تكن توانى في حضور جلسات المحاكم والعمل على القضايا المسندة إليها بما يسمح لها بتطوير خبراتها المهنية. وفي المقابل، حاول المسؤول تبرير الأمر بالقول إن المحامية لا تزال في طور اكتساب الخبرة من خلال المشاركة في الجلسات. إلا أن المحكمة لم تأخذ هذا التبرير بعين الاعتبار واعتبرت أنه يعكس إهمالاً في تنفيذ الواجبات يقتضي العقوبة. وبناء عليه، رأت المحكمة أن التبرير لا يبرئ المسؤول من مسؤولية الإخلال الوظيفي، فالإهمال الإداري هنا يُعد تقصيراً جسيمًا يتطلب تطبيق العقوبات التأديبية المناسبة وفق الأنظمة المعمول بها. وتؤكد هذه المعاينة أن السلطة القضائية لا تقبل تبريرات تعلق بمرور الوقت في اكتساب الخبرة كبديل عن توزيع الأعمال بشكل يضمن التغطية الكافية والمتابعة الدقيقة لقضايا.
العقوبات التأديبية وآثارها المحتملة في الوظيفة
وفي إطار النظام التأديبي، أشارت المحكمة إلى أن العقوبات التأديبية تبدأ من الإنذار وتصل إلى الخصم من الأجر، وقد تمتد إلى الفصل من الخدمة في حال تكر الإهمال أو أدى إلى أضرار جسيمة لمصالح العمل. هذا التدرج في العقوبات يعكس وجود منظومة تنظيمية واضحة تستهدف حماية المصلحة العامة وتحفيز الأداء المهني والكفاءة الإدارية. كما يهدف الحكم إلى إرسال رسالة واضحة إلى كافة العاملين بأن الإهمال الإداري والتقصير في الإشراف ليستا أموراً هينة، وأن هناك إطاراً قانونياً يضمن مساءلة المسؤولين وتوثيقاً لسير العمل بما يضمن تحقيق أهداف المؤسة وتقديم الخدمات بجودة عالية. وبناء على ذلك، فإن الخطوات التأديبية ليست مجرد إجراءات عقابية بل آليات تعز الثقة بالنِظام المؤسي وتضمن التزام الجميع بمعاير الأداء والشفافية في توزيع الأعمال.
تداعيات الحكم على الأداء الوظيفي والآفاق المستقبلية لإدارة
يأتي هذا الحكم ليؤكد أن وجود قصور في الإشراف وتوزيع الأعمال يمكن أن يؤدي إلى أضرار حقية في سير العمل، ما يجعل ربط الأداء بمسؤولية الإشراف أمرًا حاسمًا في أي بنية إدارية. وهو ما يفرض إعادة تقيم لآليات توزيع القضايا وتوجيها بشكل يضمن التكافؤ والعدالة في العمل، فضلاً عن ضرورة تعزيز الرقابة والمتابعة التي تضمن تطبيق المعاير المهنية بشكل دقيق. كما يشير الحكم إلى أن وجود 38 ملفاً قانونياً في الإدارة خلال التفتيش الفني يعكس مدى أهمية الاطلاع المستمر على القضايا وتوثيق الإجراءات ومتابعة التطورات القضائية لضمان المحافظة على جودة الخدمات المقدمة. وتؤكد الرسالة المستخلصة من الحكم أن الإهمال الإداري ليس مجرد سهو عابر، بل قضية ذات تبعات تنظيمية ومهنية تؤثر في صورة وهيكل العمل المؤسي. وفي هذا السياق، تبرز أهمية تعزيز المساءلة الإدارية وتطوير آليات العمل الداخلية لضمان تنفيذ المهام بكفاءة وبعيداً عن أي تقصير قد يعرّض مصالح المؤسة لخطر. وفي نهاية المطاف، يظل الهدف الأساسي من هذا الحكم تعزيز الحوكمة والشفافية في مؤسات العمل، وضمان أن تكون المعاير والإجراءات واضحة وموثقة، وأن يُعرف الجميع أن الإهمال الإداري له تكاليفه الواضحة ضمن منظومة العقوبات التأديبية، بما يحفظ سلامة الخدمات ويعز الثقة في الأداء الإداري لمؤسات.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.











































































































