كتب: سيد محمد
بحفل أسطوري عالمي لا ينسى، دشن السيد الرئيس عبد الفتاح السي المتحف المصري الكبير ليكون علامة بارزة في تاريخ مصر الحضاري وهو هدية مصر إلى العالم. فافتاح المتحف المصري الكبير يتجاوز كونه حدثاً ثقافياً ضخماً ليحمل أبعاداً رمزية تخطى الحدود الجغرافية والتاريخية. من قلب أرض أهدت العالم أولى مفاهيم الدولة والقانون والعدالة، تعلن مصر أن الماضي لا يُحفظ في المتاحف فحسب، بل يُعاد تقديمه كقوة فاعلة في صياغة المستقبل. شهد حفل الافتاح حضوراً رفيع المستوى من قادة الدول والملوك والرؤساء والأمراء، إضافة إلى مثلين عن منظمات حقوقية ودولية كبرى، وهو ما يعكس مكانة المتحف كمشروع إنساني قبل أن يكون مشروعاً وطنياً. تسلم كل قائد من الحضور نموذجاً مصغراً من المتحف يحمل اسم دولته، ليضعه مع مجسم ضخم لمشروع، في إشارة إلى أن هذا الصرح مِلْك لبشرية جمعاء. ثم وضَع الرئيس السي القطعة الأخيرة التي تمثّل مصر، معلناً رسمياً افتاح المتحف في لحظة مؤثرة تعبيراً عن ثمرة عقود من العمل المتواصل.
رسائل ثقافية وأثر حضاري يواكب الافتاح
تضمنت الرسائل التي حملها افتاح المتحف المصري الكبير التأكيد على أن الحضارة المصرية كانت ولا تزال مصدر إلهام لبشرية في مجالات القانون والهندسة والطب والفلك والفن. فالمتحف يعيد تقديم إرث أجدادنا كقوة حية تعمل على تحفيز الفكر الإنساني وتغذيه بالابتكار والإبداع. في هذا السياق، يبرز دور المعروضات كقِطع تروى قصة الحضارة وتبرز قيمها المتأصلة في العدل والشموليّة والابتكار. كما يعكس الحدث رسالة ثقافية عميقة مفادها أن التراث ليس انعكاساً لماضي فحسب، بل ركيزة حية تساهم في تشكيل الحاضر وتوجيه المستقبل.
أبعاد سياسية ورؤية سلام تعز حضور مصر العالمي
من جانب سياسي، أكدت كلمات الرئيس السي أن مصر تلعب دوراً في العالم كقوة سلام وإنسانية. فقد أشار إلى أن السلام هو الطريق الأنسب لبناء الحضارات، وأن العلم لا يزدهر إلا في مناخ من الأمن والاستقرار، وأن الثقافة لا تثمر إلا حين توفر بيئة من التعايش والتفاهم. كما توردت إشارات إلى دوره المصري في دعم القيم الإنسانية من خلال استعادة فكرة الحضارة بوصفها رسالة تنير طريق الشعوب. ويُذكر أيضاً أن الحدث أشار إلى مفهوم قديم محد في الماضي؛ وهو قانون “ماعت” الذي وضعه المصري القديم كأول إعلان لحقوق الإنسان وكرامة الطبيعة، داعياً إلى العدل والنظام واحترام الأرض والماء ونقاء الحياة، وهو نفس التوجه الذي تسعى مصر المعاصرة لترسيخه في عالم اليوم.
شراكات عالمية ورسالة تعاون ثقافي مفتوحة
كل من حضر الافتاح يضفي عليه بعداً عالمياً من خلال مساهمته الإنسانية. وفي سياق الكلمة الرسمية، أكد الدكتور خالد العناني، المرشح المنتخب لمنصب المدير العام ليونسكو، أن المتحف المصري الكبير يشكل نقطة تواصل فريدة بين ماضي الحضارة وحاضرها، حيث يقدم التاريخ ليس كأثر جامد بل كقوة دافعة لفكر الإنسان تدفع نحو الابتكار والتجديد. كما أشار إلى أن هذا المشروع يمثل جسراً يربط بين الشعوب والثقافات، وهو ما يعز الحوار الحضاري ويعيد تعريف المعنى المعاصر لتراث.
إرث طبي وروح رعاية صحية تقوده الحضارة المصرية القديمة
في إطاره، تَحدث السير مجدي يعقوب، الجراح العالمي المعروف، عن مكانة الطب في مصر القديمة التي كانت مهنة مقدسة تجمع بين الجسد والروح. وأكد أن الحضارة المصرية قدمت لبشرية فكرة الرعاية الصحية الشاملة قبل آلاف السنين، وهي فكرة تواصل مصر ترسيخها في سياساتها الصحية والإنسانية المعاصرة. لقد كان لهذا البعد الصحي في سطور تاريخية صدىً قوي يربط بين الماضي والحاضر، ويؤكد أن الرعاية الصحية جزء لا يتجزأ من رسالة الحضارة أمام العالم.
رحلة طويلة من الفكرة إلى الواقع وتثبيت الهوية الحضارية
تُشير كلمات فاروق حسني، وزير الثقافة الأسبق وصاحب فكرة المتحف، إلى الرحلة الطويلة التي انتهت باستقرار المشروع على أرض الواقع منذ عام 202. فقد ذابت التحديات أمام الإرادة المصرية التي حولت فكرة من ورق إلى صرح يحمل قيم التصميم والإبداع والإصرار والإيمان العميق بأن الحضارة رسالة تناقلها الأجيال. وفي هذه الروح، يؤكد المتحف أن الهوية ليست مجرد ماضٍ يحتفل به، بل طاقة دافعة لبناء مستقبل يواكب التطور والتغير العالمي.
المتحف المصري الكبير كفضاء حي لحوار والتعلم
لم يقتصر افتاح المتحف المصري الكبير على عرض الماضي فحسب، بل أُعلن عنه بوصفه كياناً حياً في الحاضر، وقوة تشكيل المستقبل. فالمرافق التعليمية والبحثية والمنصات التفاعلية ومراكز الثقافة والفنون توفر بيئة حاضنة لفكر والبحث والإبداع. يفتح المتحف أبوابه أمام ملاين الزوار من مختلف الثقافات، ليتيح لهم رؤية أنفسهم في مرآة التاريخ وتفاعلهم مع رسالة حضارية إنسانية عابرة لحدود. وبذلك يتحول المتحف إلى مركز عالمي لحضارة والحوار الثقافي، ومنصة تقدم التاريخ الإنساني برؤية معاصرة تكرّس قيم السلام والعدالة وتعمق فكرة أن التراث ليس مجرد ماضٍ يحتفى به، بل مصدر إلهام حي لبناء المستقبل.
دلات كونية ومرتكزات جديدة لحوار بين الشعوب
وإذ يفتح المتحف أبوابه كمنصة تعلم وتبادل معرفي، يعكس كذلك رسالة عالمية تقطع مع العزلة وتدعو إلى التفاعل الحضاري. فالقاهرة تصبح منطلق رسالة عالمية تشد على أن مصر ما زالت قلب التاريخ وعقله ورايته، وأن ماضينا ليس مجرد ذكريات بل عهداً مع الإنسانية يربط بين الحجر والفكر وبين الماضي والمستقبل. بهذه الروح، يؤكد الافتاح أن مصر المعاصرة تواصل إسهامها المستمر في حوار الحضارات وتؤمن بأن التراث حين يتحول إلى قوة إضاءة يمكنه أن يفتح آفاق أوسع أمام الإنسانية.
تجسد تلك الرسائل العميقة والمتعدة الأبعاد في المتحف المصري الكبير، الذي ليس مجرد صرحاً معمارياً فخماً، بل مشروع حضاري يحتضن رسائل تاريخية وفنية وإنسانية تعز مكانة مصر وتدفع العالم إلى قراءة الماضي بروح جديدة تفيد الحاضر وتفتح أبواب المستقبل. من قلب القاهرة، وعلى خط واحد مع الأهرامات التي أذهلت العالم، يظل المتحف المصري الكبير قائماً كجسر يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل، مؤكداً أن مصر ليست مجرد ماضٍ نحتفي به، بل عهد حي يواصل الإضاءة والحوار مع العالم.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.














































































































