كتب: سيد محمد
صدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تقريراً بعنوان “النظام العالمي الجديد ودور دول الجنوب العالمي في إعادة تشكيله”، يستعرض التحولات البنيوية في النظام الدولي وأدوار الجنوب العالمي في إعادة تشكيل معادلات القوة. يؤكد التقرير أن العالم يشرع في بناء نموذج جديد يقوم على تعد الأقطاب، مع توزيع أكثر توازناً لقوى بين جهات فاعلة أوسع. الواقع أن الجنوب العالمي بات في قلب هذا التحول، حيث يُستخدم هذا المصطلح كأداة تحلية لفهم التفاوتات وتحديد مواقع الدول التي تواجه تحديات تنموية واقتصادية. ليس الجنوب العالمي مجرد موقع جغرافي، بل هو مفهوم سياسي واقتصادي يصف دولاً غالباً ما تقع في آسيا وإفريقيا وأمريكا الاتينية، إذ تشترك في تاريخ استعماري وتواجه تهميشاً اقتصادياً نسبياً. يورد التقرير تباينات في تعريف الجنوب العالمي وفق مناظير متعدة، أبرزها الاقتصادي والجغرافي السياسي والدولي والهوية المشتركة، بما يعكس عمقاً في فهمه كظاهرة دنيوية مركبة. كما يستعرض التحولات نحو تكتلات صاعدة وبروز مؤسات جديدة تعهد إليها بإصلاح أنظمة الحوكمة العالمية، مثل بنك التنمية الجديد التابع لتكتل بريكس، في إشارة إلى مسار إصلاحي يتعز عبر شراكات دولية.
النظام العالمي الجديد وتنامي الجنوب العالمي
يؤكد التقرير أن النظام الدولي يشهد تحولاً جذرياً بعد عقود من سيطرة الغرب، حيث يتعز وجود عالم متعد الأقطاب يتوزع فيه النفوذ بشكل أوسع بين جهات فاعلة عدة. يبرز الجنوب العالمي كلاعب مركزي في إعادة توزيع القوة وتحديد المعادلات الدولية، وهو ليس مجرد كتلة بل منظومة تفاوت فيها مصالح الدول وتناغم في بعض المسارات وتنازع في غيرها. يوضح النص أن المصطلحات المتداولة حول الجنوب العالمي ما هي إلا أدوات تحلية لفهم الديناميات الاقتصادية والسياسية التي تغيّرت، وتبيان المواقع المتنوعة التي تواجه تحديات بنيوية وتاريخية. كما يشير إلى أن وجود تقاطعات بين مسار التنمية والتحول الرقمي والابتكار يساهم في تعزيز دور الجنوب العالمي كفاعل مؤثر في صنع القرات الدولية. وفي سياق هذا التحول الإقليمي والعالمي، يلاحظ التقرير ارتفاع أهمية التكاملات الإقليمية والتكتلات كآليات لتمكين الجنوب من الدفاع عن مصالحه وتطوير قدراته الإنتاجية والابتكارية.
مفهوم الجنوب العالمي وتعد مناظره
يعرض التقرير عداً من المنظورات لفهم الجنوب العالمي، فيذكر المنظور الاقتصادي الذي يرى الدول النامية جزءاً من سلة اقتصادية ذات خصائص مشتركة، مثل انخفاض مستوى الدخل ومحدودية التصنيع. كما يطرح منظور الجغرافيا السياسية الذي يسعى إلى ترسيم الجنوب في فضاء مكاني واضح، بالرغم من النقد الذي واجه هذا المنظور لكونه يستثني دولاً مؤثرة تقع شمال خط الاستواء. وعلى صعيد المنظور السياسي، يربط الجنوب العالمي بمشروعات وتحالفات محدة انتهت باستمرارية مشاريع كحركة عدم الانحياز ومجموعة الـ7، والتجليات التي يطرحها حديثاً في خطاب بريكس.除此، يعالج المنظور الدولي أعداً من المواقع المتنوعة التي تعكس قوى التحول والتحر، وتعامل مع فكرة الهوية المشتركة كإطار يهدف إلى إرساء أجندة تعاون مناهضة لاحتكار، بينما يبرز مفهوم الهوية كامتداد لسرد يركز على المصالح المشتركة بين الدول ما بعد الاستعمار. وتؤكد السردية أن الجنوب العالمي ليس مجرد تجمع جغرافي وإنما شبكة معقدة من الدول التي تسعى لتغير ملامح النظام الدولي، بما يعز دورها كقوة فاعلة في رسم مستقبل النظام العالمي.
خصائص الجنوب العالمي وتوزيعه الجغرافي والاقتصادي
يؤكد التقرير أن الجنوب العالمي يضم 130 دولة، تشغل مساحة واسعة من إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا وأوقيانوسيا وأمريكا الاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. تمثل هذه الدول نحو ثلثي سكان العالم، وتشكّل نسبة السكان فيها نحو 85% من إجمالي سكان العالم في عام 2024. كما أشار إلى أن مجموع ديون هذه الدول الخارجية يصل إلى ١.٤ تريليون دولار حتى عام 2023. أما عد السكان في دول الجنوب فبلغ 6.17 مليار نسمة من أصل 8 مليارات في عام 2024، وتظهر البيانات معدل نمو سكاني يقارب 1.2% بين 2014 و2024. وفيما يتعلق بالخصائص السكانية الأخرى، بلغ متوسط العمر المتوقع 67.9 سنة، ومتوسط معدل الخصوبة 2.9%. أما حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول الجنوب في عام 2025 فبلغ ١٩٠٢٧ مليار دولار، وهو أعلى من نظيره في دول الشمال التي بلغ ٩٦٨٠٧ مليار دولار. كما سجل معدل نمو الناتج المحلي في الدول الجنوبية خلال عشر سنوات 5.4%، وبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي ١٩٠٩٨ دولاراً مقابل ٥٨٢٥ دولاراً في دول الشمال. وتظهر هذه الأرقام أن الجنوب العالمي يشهد نمواً اقتصادياً ملحوظاً وارتفاعاً في القاعدة الإنتاجية، وإن كان يعاني من تفاوتات كبيرة بين الدول داخله وبين مكوناته من حيث الإمكانات والقدرات.
التحالفات والتكتلات الفاعلة في الجنوب العالمي
يستعرض التقرير التحالفات والتكتلات التي تشكل عموداً فقرياً في حركة الجنوب العالمي. فهذه الدول تقاوم الانسحاب من مسار التصعيد الاقتصادي والسياسي من خلال تكتلات دولية مثل مجموعة البريكس ومجموعة الـ7 والصين (G7 + China) وحركة عدم الانحياز، إضافة إلى تكتلات إقليمية تشمل منظومات مثل الاتحاد الإفريقي ومجموعة دول شرق آسيا ومنظمات مثل آسيان ورابطة دول جنوب شرق آسيا، ومنظمة شنغهاي لتعاون. كما يبرز دور تكتلات أفريقية وأقاليم الجنوب الأخرى مثل الكوميسا واتحاد غرب إفريقيا وإيكواس وتجمع دول شرق إفريقيا، إضافة إلى ميركوسور والسوق المشتركة لأمريكا الجنوبية. هذه التكتلات تسعى إلى تعزيز التجارة المتبادلة وتبادل المعرفة وتقديم نموذج تنموي يخف من الاعتماد على الأسواق التقليدية في الشمال. وتشير القراءة إلى أن نموذج التعاون الدولي يعتمد بشكل متزايد على بناء قدرات واشتباك في إطار مؤسي يحسن من تمثيل الجنوب العالمي على كل المستويات.
القضايا العالمية المرتبطة بدول الجنوب
يتيح التقرير مساحة لاستعراض القضايا العالمية المرتبطة بدول الجنوب، حيث يتناول الصحة العامة والتبادل المعرفي وتطوير المهارات الفنية والتعليمية وبناء القدرات. كما يشير إلى أن التكنولوجيا والابتكار يمثلان ركيزة أساسية في تحسين الإنتاج الزراعي والصناعي وتطوير مصادر الطاقة، مع التأكيد على تبادل الخبرات وتطوير سياسات فاعلة وبناء مؤسات قوية عبر الاستشارات الفنية والتدريب. وتؤكد الوثيقة أهمية الاعتماد المتبادل والتنمية المستدامة كأهداف رئيسية، مع التركيز على تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال الشراكات المحلية وإدارة الموارد الطبيعية والحد من الاعتماد على المصادر الخارجية. كما يبرز التعاون في مواجهة الأزمات العالمية مثل الأوبئة والكوارث الطبيعية وتخفيف ثقل الأمن الغذائي من خلال تبادل المساعدات والخبرات. يتقدم موضوع التكامل الإقليمي كإطار لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي، مع إبراز أدوار منظمات مثل الاتحاد الإفريقي وآسيان وميركوسور وغيرها كمراكز تبادل وتنسيق سياسات. إضافة إلى ذلك، يتناول التقرير نقل المعرفة وأفضل المارسات في مجالات الصحة والسكان والبيئة والتعليم، وتوجيه الاهتمام إلى التغير المناخي والبيئة كقضايا مشتركة تواجه الدول الجنوب، وتطلب تعاوناً اقتصادياً وتنموياً مستداماً وتطوير حلول بيئية مدعومة بالخبرات المحلية.
آفاق المستقبل والتحديات والآمال المرتقبة لجنوب العالمي
يرصد التقرير مسارات مستقبلية محكومة بواقع التحولات في النظام الدولي. فبحلول عام 2030 يتوقع أن يظهر الجنوب العالمي كقوة محورية في صوغ السياسات والأجندات العالمية، مع توقع أن تكون ثلاثة من أكبر أربع اقتصادات في العالم من الجنوب العالمي، مع الإشارة إلى ترتيب يُرجّح أن يكون فيه الصين والهند وإندونيسيا ضمن الكوكبة الكبرى، في حين تُذكر الولايات المتحدة ضمن الإشارات المرتبطة بالرباعي المحتمل. كما يؤكد التقرير أن التغير المناخي يظل عاملاً حاسماً في مصير الجنوب العالمي، فرغم أن مساهمته في الانبعاثات الحرارية لا تقارن بمساهمة الشمال، إلا أن الجنوب يتحمل تبعاته بشكل أكبر من غيره من الدول. ويؤكّد التقرير أن جهود تشكيل حوكمة عالمية أكثر عدالة وشمولاً ستواصل، مع سعي دول الجنوب إلى تمثيل أقوى ومساهمة أقوى في المؤسات والاتفاقيات الدولية. كما يشير إلى أن التطورات في مجالات الذكاء الاصطناعي والابتكار ستكون ساحة لصراع وتعاون؛ فبعض دول الجنوب بات تبني خطاً حكومية ومجتمعية مرتبطة بالتكنولوجيا وتطوير بنيتها الرقمية، خاصة في مراكز جنوب شرق آسيا مثل سنغافورة وماليزيا وإندونيسيا، بما يعز من قدرتها على الإبداع والابتكار. يرد التقرير على أن التعاون الدولي وبناء القدرات سيظل حجر الأساس، مع الاعتماد على مبادرات مثل مجموعة البريكس وتبادل المعرفة وتعزيز الابتكار المفتوح. وفي ختام القراءة، يحفّز التقرير شعوراً بأن دول الجنوب تقف اليوم عند مفترق طرق: إما أن تستمر في الدور الهامشي ضمن النظام الدولي، وإما أن تحول إلى فاعل قادر على إعادة تعريف موقعه ومكانته في العالم، مستندة إلى مقوماتها البشرية ومواردها الطبيعية وإبداعها وقدرتها على المناورة. وتظل الفرص متاحة أمامها لتحقيق تحول نوعي في مسارها التنموي خلال السنوات المقبلة، شرط أن يتحق إصلاح سياسي واقتصادي داخلي، وقيام جهد دولي مشترك نحو نظام عالمي أكثر عدالة وشمولاً، يكفل لدول الواقعة في الجنوب العالمي أن تعز مكانتها وتؤثر في مستقبل النظام الدولي.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.














































































































