كتب: سيد محمد
أُثير سؤال إلى دار الإفتاء المصرية حول حكم مس المصحف المكتوب بطريقة برايل لمكفوفين بالنسبة لمحدث، فأجابت الدار بأن النص الشرعي يفرض احترام القرآن وتعظيمه، ويؤكد أنه لا يجوز لمس المصحف إلا على طهارة. كما أن المصحف المكتوب بطريقة برايل يحظى بالحكم نفسه، فهُو محكوم بالصيانة والاحترام، ويحرم لمسَه على من هو محَدِّثٌ وفق الأقوال المختارة عند العلماء. وإن وُجدت مشقة أو حرج في القراءة المباشرة من المصحف، فيجوز استخدامه عند الضرورة لحفظ القرآن أو تعليمه أو صعوبة وجود من يساعده على الطهارة، تقليدًا لمن رخَّص في ذلك من فقهاء المالكية.
أولاً: سياق السؤال والجواب الرسمي بشأن مس المصحف برايل
أوضحت دار الإفتاء أن وجوب تعظيم القرآن الكريم يشمل صيانته واحترامه وتنزيه، وهو أمر مقر بالإجماع في الدين. وبناءً عليه، ذكر المجلس أن مس المصحف يجب أن يكون من باب الطهر، وأن المصحف المكتوب بطريقة برايل لمكفوفين يأخذ الحكم ذاته في عدم المس إلا لمن كان على طهارة. وفي حال وجود مشقة في قراءة المصحف من طريق مباشر بسب الحاجة إلى حفظ أو تعليم أو حاجة إلى مَنْ يعاونه على الطهارة، يجوز استعمال هذا المصحف حينئذٍ، تقليدًا لمن رخص في ذلك من فقهاء المالكية.
ثانياً: وجوب تعظيم القرآن الكريم ومكانة المصحف
أبرزت الوثيقة الشرعية أن القرآن الكريم هو كلام اله المنزل على النبي محمد صلى اله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام، وهو كلام متعبد بتلاوته ومتواتر نقله إلينا. كما أُشير إلى أن وجوب تعظيم القرآن الكريم واحترامه وتنزيه وصيانته وتعامله معه بشكل يختلف عن التعامل مع سائر الكتب هو أمر معلوم من الدين بالضرورة. وفي هذا السياق استشهدت مصادر فقهية كـ«المحيط البحر» و«روض الناظر» على أصول الحكم، كما أكد النوي في «المجموع» أن consensus الأمة على وجوب تعظيم القرآن على الإطلاق. وتحديدًا، يُعد تعظيم القرآن جزءاً من الدين لا خلاف فيه بين الأمة، وهو أمر لا يُقبل فيه أي تهاون.
ثالثاً: حكم مس المصحف الشريف لمحدث ودلالته الشرعية
تُبنى قاعدة المس لمصحف على شرط الطهارة كأحد مظاهر تعظيم المصحف وصيانته. وتؤكد الآية الكريمة خطابًا من اله تعالى بأنه لا يمس المصحف إلا المطهرون، وهو تعبير يُعد نهيًا صريحًا لا مجرد خبر. كما أن تفسيرها قد أشار إلى أن لفظة «الطهر» قد تُفهم شرعياً كطهارة حسية، وأن استعمال مفهوم الطهر في هذا السياق يحظى بالقبول وفق اجتهاد جمهور الفقهاء. وفي هذا الإطار، استشهدت دار الإفتاء بآية من القرآن الكريم في سورة الواقعة وتأكيدها على أن من لم يكن على طهارة لا يمس المصحف. كما أُشير إلى أن العلماء بيّنوا أن من كان في وضوء أو على طهارة يجوز لمس المصحف، وأن الأصل هو الطهارة عند المس، وهو قول جمهور الفقهاء.
رابعاً: الأدلة من السنة وصدورها في المسألة
ورد في الأحاديث نفي لمس القرآن إلا طاهرًا؛ فالموطأ لمالك يذكر قول: «لا يمس القرآن إلا طاهر» وأن حديثاً آخر من الطبراني مع ابن عمر يرد: «لا يمس القرآن إلا طاهر»، كما جاء في المستدرك لحاكم عن حكيم بن حزام حين ولاّه النبي اليمن بأن لا يمس القرآن إلا وهو طاهر. وقد روى ابن تيمية في فتاويه قولاً حول صحة الكتابة لنبي صلى اله عليه وآله وسلم لعمرو بن حزم، وهو ما يعتبره بعض العلماء دليلاً على صحة ما أمر به النبي في المس. كما ذكر الإمام ابن عبد البر في التمهيد ما يفيد أن رسول اله صلى اله عليه وآله وسلم كتب لعمرو بن حزم كتاباً في السن والفرائض والديات، وهو كتاب مشهور عند أهل العلم يلزم القبول. وفي إطار تقوية هذه الحج، عدَّ الحافظون عدة روايات تدعم صحة الأثر، وذكروا أن بعضها حسن الإسناد، وأن من رواته من ثقة. كما أوردت المصادر أن لفظة «طاهر» قد تكون حقية وتُفسَّر بأنها طهارة حسية، كما أن في استعمال هذا المصطلح دلالة واضحة على المقصود الشرعي.
خامساً: الإجماع بين أئمة المذاهب حول مس المصحف
تؤكد التقارير أن فقهاء الأمصار، في المدينة والعراق والشام، قد أجمعوا على أن المصحف لا يمسّه إلا المطهر على وضوء، وهو قول يَرِدُ عن مالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وأبي يوسف وأبي حنيفة وأبي عبيد، وكل هؤلاء أجمعوا على وجوب تعظيم المصحف واحترامه وصيانته. كما أشار النوي في «المجموع» إلى أن هذا القول على لسان عليٍّ وسعد بن أبي وقاص وابن عمر رضي اله عنهم، ولم يُعرف لهم مخالف في الصحابة. وهذا الإجماع يضع قاعدة قوية لأي استثناءات قد تطرأ في حالات الضرورة.
سادساً: الاستثناءات عند الضرورة في قراءة المصحف بلا طهارة
وفيما يخص حالات الضرورة، بينت الدار أن هناك استثناءً مشروعاً لمن كان في حاجة إلى حفظ أو تعليم أو صعوبة في إيجاد شخص يعاونه على الطهارة. في هذه الحالات يجوز لمُحدِث أن يستعمل المصحف المكتوب بطريقة برايل حينئذٍ، تقليدًا لمن رخص في ذلك من فقهاء المالكية. وهذا الحكم يعكس كيف تيح الشريعة الإسلامية مرونة حال وجود الضرورة، مع الحفاظ على مبادئ التعظيم والصيانة لمصحف. وتؤكد المصادر أن هذا الاستثناء ليس سُبهةً، وإنما تكيف فقهي مع الواقع لضمان مواصلة قراءة القرآن وتعليم الناس بما يحفظ النص ويُسهل الوصول إليه لمكفوفين.
سابعاً: خلاصة الموقف الشرعي في مس المصحف برايل
تدل المصادر والفتاوى على أن المس المصحف المكتوب بطريقة برايل لمكفوفين محكوم بالحكم ذاته الذي يحكم لمس المصحف العادي، وذلك وفق شرط الطهارة. وإن وُجدت ضرورة تعليمية أو حفظية أو حاجـة إلى من يساعد على التطهر، فلدै الشرع مرونة تسمح باستخدام المصحف برايل في تلك الظروف، مع التزام التزام بالطهارة عند المس، وباحترام المصحف وتوقيره كما هو ثابت في النصوص الشرعية وآثار العلماء. ويظل هذا الحكم مستنداً إلى القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع والقاعدة الفقهية التي تؤكد أن القرآن مقدس وأن المس به لا يجوز إلا لمن هو على طهارة، وهو ما ذهب إليه جمهور الأئمة والعلماء في عصور متقدمة.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.















































































































