كتب: أحمد خالد
تلقى الدكتور عطية لاشين، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون، سؤالاً عبر صفحته الرسمية على فيسبوك يتناول ادعاءً يربط الإنجاب بظروف البلد الاقتصادية، معتبرين أن من بادر إلى الإنجاب يعتبر أنانيًّا وغير مُراعٍ لواقع الاقتصادي الراهن، فهل هذا الرأي صحيح؟ في إجابته أشار إلى أن مثل هذا الادعاء لا يستند إلى الأس الإسلامية الصحيحة، مبرزاً أن الرزق بيد اله وحده، وأن الخوف من الفقر لا يجوز أن يحد من إرادة الإنسان في الإنجاب. كما أكد أن لعبد حدوداً واختصات لا يجوز تجاوزها، وأن الخلق والرزق من اختصاص اله تعالى وحده، وأن trust باله وتوكله عليه أمران أساسيان في فهم مسألة الإنجاب والرزق. وذكر أن القرآن الكريم يحث على الثقة بوعد اله وعدم ربط الإنجاب بالفقر، وأنه سبحانه هو الخالق والمسخر لجميع الأسباب والمسبات. كما أشار إلى أن النبي صلى اله عليه وسلم شد في أحاديثه على أهمية الاعتماد على اله حقّ الاتكال، وأن الرزق مقدر قبل ولادة الإنسان. وفي ختام رده، أكد أن القضية ليست مرتبطة بعد المواليد بقدر ما هي مرتبطة بإدارة الموارد البشرية والاقتصادية بفاعلية وحكمة.
مرتكزات قرآنية وحديثة في الرد على الدعوى
وقد استهل الدكتور لاشين رده بالتأكيد على أن الخوف من الفقر أو الربط بين الإنجاب وبين الرزق ليسا من شأن الإنسان أن يقرهما وحده، مستنداً إلى نصوص دينية تشير إلى أن الرزق بيد اله وحده. قال في معرض رده: “ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأً كبيرًا”، وهو نص صريح يرد على أي ادعاء بأن الإنجاب مرتبط بخوف من الفقر أو بفقدان الرزق. كما أشار إلى مقطع قرآني آخر يبيّن أن الإنسان ليس هو من يخلق الرزق، بل اله تعالى هو الخالق والرازق: “أفرأيتم ما تمنون أنتم تخلقونه أم نحن الخالقون”، ثم أكد قوله سبحانه: “وما من دابة في الأرض إلا على اله رزقها.” هذه الآيات تبرز أن الإنسان يجب أن يسلم أمره إلى اله ويثق في وعده، وأنه لا يجوز لعبد تجاوز حدوده في محاولته تنظيم ما يختص اله به وحده.
دور التوكل على اله والحديث النبوي في مسألة الرزق
ولم يغفل الدكتور لاشين عن سنة النبي صلى اله عليه وسلم، حيث نقل عن الحديث الشريف قوله: “لو أنكم توكلتم على اله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا”. وبذلك يؤكد أن الاعتماد على اله وتوكله حق التوكل من أساسيات فهم الرزق وتدبير شؤون الحياة، بما يحول دون الوقوع في فخ الخوف المبالغ فيه من الفقر. كما أشار إلى أن الحديث الذي يبيّن أحداً من البشر يجمع خَلْقه في الرحم قد كُتب له رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد قبل ولادته، وهو ما يعز فكرة أن التقدير الإلهي مُسبق على وجود الإنسان. هكذا يرى لاشين أن الرزق مقدر، وأن الاعتماد على اله يمنح الإنسان التوازن في مسألة الإنجاب، بعيداً عن النظرة القاصرة التي تربط الإنجاب بفقر البلد أو عدم استقراره الاقتصادي.
الإنجاب كقوة بشرية وليست عبئاً اقتصادياً عند حسن استثمارها
وفي إطار رده على الادعاءات الاقتصادية المرتبطة بالإنجاب، أوضح أن الإنجاب ليس عبئاً اقتصادياً كما قد يَصِم البعضُ الظرفَ الحالي، بل هو قوة بشرية منتجة إذا أُحسن استثمارها وتوجيها في مسارٍ بنّاء. وأشار إلى أن تجارب دول مثل الهند والصين أظهرت كيف أن كثافة السكان يمكن تحويلها إلى طاقة تنموية ترفع من مستوى الاقتصاد، حين تُدار الموارد البشرية بشكل فعّال وتُوظَّف في مجالات تدفع بعجلة التنمية إلى الأمام. بهذه الأمثلة يعز الدكتور لاشين فكرة أن العلاقة بين السكان والاقتصاد ليست محكومة بالضرورة بالسالبية، وإنما بتخطيط اقتصادي واجتماعي محمود يُحق التنمية المستدامة. كما أكد أن الرزق ليس ثمرة جهد الفرد만، وإنما قدر اله الذي يربط بين الجميع، وأن الإنجاب عندما يُدار بشكل صحيح، يصبح رافدًا من روافد التنمية وليست عبئاً إضافياً على الأسرة أو الدولة.
إدارة الموارد البشرية: المحور الأساسي وليس عد المواليد
وفي ختام رده، شد الدكتور عطية لاشين على أن القضية المتعلقة بالإنجاب ليست مرتبطة بشكل مباشر بعد المواليد كما يظن البعض، وإنما بنهج إدارة الموارد البشرية والاقتصادية. أشار إلى أن الرزق بيد اله وحده، وأن الإنجاب جزء من عمارة الأرض وتحقيق سن اله في الخلق. وفي هذا الإطار يربط الفقيه المقارن بين مبدأ التوكل وتدبير شؤون الحياة اليومية، موضحاً أن الاعتماد على اله لا يعني التراخي أو التخلي عن التخطيط والإدارة الرشيدة لموارد، بل يتطلب مزجاً بين الثقة الإيمانية والعمل المسؤول. وفي إطار ذلك، يلفت إلى أن مارسة التفاؤل والاعتماد على اله يتطلبان ضبطاً لنيات وتوجيه الموارد البشرية بشكل يعز التنمية دون أن يتحول النمط الإنجابي إلى عائق أمام الاستقرار الاقتصادي أو الاجتماعي.
ختام فِكري لعمل والرزق وفق النصوص الشرعية
إن ما يريده الدكتور لاشين هو التأكيد على أن الدين الإسلامي يحث المجتمع على الثقة باله وتوكله، مع نبذ الخوف المبالغ فيه من الفقر الذي قد يحد من خيارات الناس في الإنجاب. فالرزق مقدر، والإنجاب جزء من عمارة الأرض واتباع سن اله في الخلق، وليس خطوةً تقف عند الحواجز الاقتصادية. وبغض النظر عن الظروف الاقتصادية الراهنة، فإن الإيمان بأن الرزق بيد اله، وأن الإنسان مسؤول عن حسن إدارة الموارد البشرية، يفتح الباب أمام نقاش بنّاء يميز بين الواقع الاقتصادي والواجب الشرعي في تخطيط الأسرة والمجتمع. وهو بذلك يعز فكرة أن “وقف الإنجاب بسب الظروف الاقتصادية” يمكن أن يكون مجرد قراءة خاطئة لنصوص، طالما بقي الاعتماد على اله وتخطيط الموارد البشرية كأحد أهم سبل التنمية المستدامة، بعيداً عن القفز إلى استنتاجات تفتقد إلى أساس شرعي صريح.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.















































































































