كتب: علي محمود
يتناول هذا المقال قضية سجود السهو في الزيادة والنقصان ضمن عد ركعات الصلاة، وهو موضوع فقهـي شغل أذهان المسلمين نظراً لاختلاف آراء الفقهاء في موضعه وحكمه. ثمة حديث نبوي يربط جبر الخل في الصلاة بسجود السهو، حيث ورد أن النبي صلى اله عليه وسلم سجدتين بعد وقوع خل في صلاته، وأنه أشار إلى وجود سهو حتى في صلاة رسول اله نفسه. كما يتناول النص اختلاف المذاهب الكبرى في تحديد موضع السجود هل يكون قبل السلام أم بعده، ومتى يجوز السجود في حالات الزيادة أو النقصان أو الشك في عد الركعات. يظل هدف سجود السهو تطبيق جبر الخل والصبر على نقص أو زيادة قد تقع في الصلاة، وهو أمر اتفق عليه المسلمون مع اختلاف في تفصيلات التطبيق.
مذهب الإمام أبو حنيفة
يرى الإمام أبو حنيفة أن سجود السهو أولى فعله بعد السلام في جميع حالات الزيادة والنقصان، مع اشتراط النية له. يرى أن ما يحرص عليه هو كونه صلاة يجب فيها تحق النية كشرط أساسي، وهو يتوافق مع قياس على اشتراط النية في السجود عند الشكر والتلاوة. وفق هذا الرأي، لا يُذكر أن السجود قبل السلام هو الأصل في أي سبَب من أسباب السهو، بل يكون السجود بعد السلام هو المرجع في سياق زيادة أو نقصان الركعات، مع وجوب النية لمصلّي عند أداء السجود لسهو إذا كان بعد الصلاة.
مذهب الإمام مالك
يرى الإمام مالك أن لسهو وجوداً خاصاً مع حالة النقص أو الزيادة. فإذا كان السهو بسب نقص في الركعات، فإن الأولى فعله قبل السلام، بينما إذا كان السهو بسب زيادة في الركعة أو عدها، فالأولى أن يكون السجود بعد السلام. وفيما يخص النية، لا حاجة لها إن كان السجود قبل السلام، لأن السهو قبل السلام يصبح جزءاً من الصلاة، أما إن كان السجود بعد السلام فلابد من النية لأنه خرج عن الصلاة. وبذلك يظل شأن السهو عند مالك مرتبطاً بطبيعة السهو نفسه وبموضع إجرائه.
مذهب الإمام الشافعي
يُعطي الإمام الشافعي الأولوية لسجود السهو قبل السلام وبما بعد التشهد مهما اختلف سب السهو، في الزيادة والنقصان، مع لزوم النية له. أما المأموم فليس عليه أن يجد النية لأنه يعتمد بنية الإمام؛ وتبقى نية السجود في القلب. وفق هذا الرأي، فإن الاحتياج إلى النية ليس شرطاً لمأموم، وإنما يكفي وجود نية الإمام في الصلاة التي يتبعها. وبالنسبة لمصلّي المنفرد، فإن النية تكون شرطاً في محلها.
مذهب الإمام أحمد بن حنبل
تجه آراء الحنابلة إلى أن سجود السهو قبل السلام هو الأصل، مع وجود حالتين استثنائيتين: الأولى حين يكون نقص ركعة أو أكثر من الصلاة، حيث يأتي المصلي بالنقص ثم يسجد لسهو بعد السلام؛ والثانية عندما يقع شك في شيء من أعمال الصلاة، فيبني المصلي صلاته على غالب ظنه، ثم يتمها، ويسجد لسهو بعد السلام. كما يشترط الحنابلة التشهد بعد سجود السهو وقبل السلام إن كان السهو قد وقع بعد الصلاة. كما يذكرون أن السهو المعني ليس دليلاً على الإعراض، بل هو جزء من طبيعة الإنسان.
متى يجب سجود السهو؟ الحالات الأساسية
ثمة خمس حالات يجب معها سجود السهو في الصلاة:
– إذا سَلَّم المصلي قبل إتمام الصلاة. في هذه الحالة يأتي بالسهو لاحقاً ويسجد بعد السلام.
– عند الزيادة عن الصلاة، أي زيادة الركعة أو الركعات، وفي هذه الحال يَعدِل المصلي قبل السجود أو بعده بحسب الموضع.
– عند نسيان التشهد الأول، أو نسيان سنة من سن الصلاة، فيسقط السهو كبديل عن ذلك.
– عند الشك في عد الركعات، فإذا شك هل صلى ثلاثاً أم أربعاً وترجّح لديه أنها ثلاث، فليصل الرابعة ثم يسلم ويسجده سجدتين، ولشك في الثلاث أو الاثنتين حكمه وفق ذلك.
– وتُذكر أربعة أمور تخفّف من السهو وتساعد على استعادة الخشوع.
أربعة أمور تساهم في تصحيح السهو والخشوع أثناء الصلاة
– استحضار عظمة اله وتدبر القراءة في الصلاة لتثبيت الخشوع وتجنب السهو الناتج عن الانشغال بالدنيا.
– محاولة التركيز خلال القراءة، وعدم الاكتفاء بنطق الكلمات دون حضور القلب.
– عدم الانشغال بالشواغل الدنيوية أثناء الدخول في الصلاة، والتفات إلى موضع السجود.
– الاهتمام بمراعاة وضعيات النظر، فالوقوف يُنظر إلى موضع السجود، والركوع إلى أطراف أصابع القدمين، والسجود إلى الأرنبـة الأنف، والتشهد إلى طرف الإصبع المسبحة.
دعاء سجود السهو وآدابه
يُقال في سجود السهو كما ورد في السجود في التلاوة: سبحان ربي الأعلى، وهو الحد الأدنى، يمكن أن يصل إلى ثلاث مرات. كما ورد في بعض الأحاديث قول: سبحان من لا تأخذه سنة ولا نوم. ويُستحب الدعاء في سجود السهو بما يسره اله من الأدعية الشرعية المهمة. وفي هذا السياق، يؤكد أهل الاختصاص على أهمية الإخلاص والتضرع أثناء السجود والدعاء.
روشتة الخشوع في الصلاة من أهل الفتوى والبحوث الإسلامية
وضع الدكتور محمد عبدالسلام الورداني، مدير إدارة التدريب وأمين الفتوى بدار الإفتاء، روشتة شرعية لخشوع في الصلاة والحد من السرحان، وتحديد ثلاثة أمور تساعد المسلم على الخشوع. الأول: العناية بالتركيز في قراءة آيات القرآن وتدبرها، والحرص على التلفظ بما قاله النبي صلى اله عليه وسلم: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب. الثاني: وضع النظر في محله الصحيح أثناء الوقوف والركوع والسجود والتشهد. الث: العناية بالأدعية في الصلاة وضرورة حضور القلب أثناء الدعاء.
أراء ومواقف المجامع والآراء المعاصرة
أكّد مجمع البحوث الإسلامية أن سجود السهو في الصلاة سُنّة وليست واجبة، وأنه يشرع لجبر الخل الناتج عن زيادة أو نقص في الصلاة. كما أشار المجمع إلى أن السجود يكون سجدتين، سواء قبل السلام أو بعده، وأن الحديث النبوي يبيّن في حال الشك كيف يُتعامل معه. كما أشار إلى أربع حالات رئيسة يجب فيها سجود السهو، وهي: إذا سلم المصلي قبل إتمام الصلاة، عند الزيادة، عند نسيان التشهد الأول أو سنة من السن، وعند الشك في عد الركعات. إضافة إلى ذلك، يوصي المجمع بمارسة تقنيات الخشوع والوقوف بين يدي اله بتواضع وخشوع، والتقليل من الانشغال الذهني خلال الصلاة.
خلاصة عملية وتطبيقية في صلواتنا
إن سجود السهو جبرٌ لخَل البسيط الذي قد يقع أثناء الصلاة، وهو سُنّةٌ وليست واجبة، وتختلف أقوال الفقهاء في موضعه والنية المرتبطة به. ما يجمع عليه العلماء أن السجود قد يكون قبل السلام أو بعده بحسب السب وظروف الصلاة، وأنه لا يخلُّ بالصلات إذا أتى به المصلي بنية صادقة، وإن طال الفصل أو طال الزمن بين السجود والفريضة. والنصيحة الأهم أن نُدِمَّ القلب ونُركز في القرآن وأذكار الصلاة، ونتذكر الحديث النبوي الذي يحثّ على كثرة الدعاء في حالة السجود، فيكون هدف الصلاة إتمامها في رضا اله وخشوعه، مع جبر الخل عبر السجود عند الحاجة.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.















































































































