كتب: صهيب شمس
أعربت فاطمة سعيد، السوبرانو المصرية العالمية، عن سعادتها بالمشاركة في احتفالية افتاح المتحف المصري الكبير، لكنها في الوقت نفسه كشفت عن صعوبة الموقف الذي واجها كأم حديثة. فقد وضعت توأما قبل أسابيع قليلة من الحفل، وهو ما جعل مشاركتها في الحدث تسم بتحدٍ إضافي إلى جانب التحدي الفني المعتاد. وفي لقاء مع الإعلامية منى الشاذلي على هامش الاحتفالية عبر قناة ON، أكدت فاطمة سعيد أنها لم تكن واثقة في البداية من قدرتها على تقديم الحفل، لكنها وجدت في دعم أولادها وجهاً من القوة دفعها لاستكمال المسيرة والمشاركة في هذا الحدث الكبير. هذه الكلمات تعكس مدى الانسجام بين مسيرتها الفنية الرفيعة ومسؤوليتها كأم، وفي الوقت نفسه تبرز كيف أن الفن والإنسان في حياة فاطمة سعيد قد يلتقيان في لحظة احتفال بمكانة تاريخية في البلد.
فاطمة سعيد: مسار فني يتجاوز الحدود
ولدت فاطمة سعيد في القاهرة عام 191، ونشأت في بيئة فنية مكنت صوتها من النمو والارتقاء بسرعة نحو العالمية. بدأت رحلتها الفنية عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها، حيث درست الغناء في استوديو الدكتورة نيفين علوبة بدار الأوبرا المصرية. كان لهذه البداية في القاهرة أثرها العميق في تشكيل أسلوبها الفني والارتقاء بقدراتها الصوتية إلى مستويات عالية من الاحتراف. وبعد ذلك، توّلت خطواتها الأكاديمية طريقاً دولياً حيث التحقت بمدرسة هانز إيسلر لموسيقى في برلين، وهي خطوة مهدت لها الطريق لاندماج في المدرسة الأوروبية العريقة في الأداء الكلاسيكي. خلال وجودها في برلين، فازت بجائزة منحة التميز وجائزة ستارت آب ميوزيك في عام 2013، ما دعم مسيرتها وشحذ روحها الإبداعية نحو آفاق أوسع.
من ميلانو إلى العالمية: أول سوبرانو مصرية تغني في سكالا
بعد ذلك انتقلت فاطمة سعيد إلى إيطاليا وانضمت إلى أكاديمية تياترو آلا سكالا في ميلانو، وهو مسرح تاريخي يحظى بمكانة رفيعة في عالم الأوبرا. بوجودها في ميلانو، أصبحت فاطمة أول سوبرانو مصرية تغني على هذا المسرح العريق، وهو إنجاز يمثل علامة فارقة ليس فقط في مسيرتها وإنما في حضور الموسيقى العربية في المحافل الأوروبية الكبرى. من خلال هذه الخطوة الدولية، تمكنت من توسيع نطاقها الفني والوصول إلى جمهور أوسع، وتجسيد قدرة الفنان المصري على المنافسة والتزام بمستوى عالٍ من الأداء الكلاسيكي على ساحة عالمية.
جوائز عالمية وإنجازات بارزة تعز حضورها الفني
على مدى السنوات تكرست مكانة فاطمة سعيد كإحدى أبرز الأصوات النسائية في عالم الأوبرا الكلاسيكية. فازت بجوائز قيمة، منها جائزة الإبداع المصرية عام 2016 كأول مغنية أوبرا مصرية تنالها، وهو إنجاز يؤكد تميزها وكونها رمزاً لفن الراقي في مصر. كما حصدت جائزة الثقافة الأوروبية عام 2024، إضافة إلى جائزة أوبوس كلاسيك الألمانية عن ألبومها الأول “النور” الذي صدر عام 20. وقد أصدرت فاطمة سعيد ألبوماً آخر بعنوان “تحية إجلال لموسيقار محمد عبد الوهاب” عام 2023، وهو عمل يعكس ارتباطها بالتراث العربي والتقاليد الموسيقية المعاصرة. هذه الجوائز تعكس تعزيز حضورها الفني ليس على المستوى المحلي فحسب بل على المستوى العالمي أيضاً.
إنجازات عالمية إضافية وألقاب بارزة
ولدت فاطمة سعيد من مجموعة من النجاحات العالمية التي تلمع في سماء الثقافة الموسيقية. من بين أبرز ما حصدته: الجائزة الكبرى في مسابقة جوليو بيروتي الدولية لأوبرا، وجائزة فيرونيكا دون في دبلن، وجائزة ليلى جينسر في إسطنبول، وهي عناصر تشكل رصيداً فريداً من الاعتراف الدولي بمواهبها. كما حصلت على لقب أفضل فنانة شابة لعام 2021 من جائزة أوبوس كلاسيك الألمانية المرموقة. هذه الجوائز المتعدة تعكس مدى التنوع في اهتماتها الفنية وعمق عطائها وتغيراتها التي تفتح أمامها أبواب جديدة باستمرار في عالم الأوبرا الكلاسيكية.
افتاح المتحف المصري الكبير: الشعر والفن في موضع واحد
تأتي مشاركة فاطمة سعيد في افتاح المتحف المصري الكبير كحلقة جديدة من روابط الفن بالمواقع التاريخية، وتؤكد أن الموسيقى الكلاسيكية والآثار المصرية يمكن أن يتلازما في لحظة تاريخية تجمع بين الإبداع والأثر. لقد كان من الواضح أن الحفل ليس مجرد عرض فني عابر، بل هو مناسبة وطنية تعز من مكانة مصر في المشهد الثقافي العالمي. وفي حديثها مع الإعلامية منى الشاذلي، أظهرت فاطمة سعيد مدى تفهمها لهذا التفاعل بين الفن والتراث، وكيف أن وجودها كأم ومهد لفنون يمنحها قدرة خاصة على التعبير والتواصل مع الجمهور على مستوى عالٍ من الحساسية والانتباه. كما أبرزت تجربة الحياة كأم حديثة أنها ليست عائقاً أمام الأداء، بل قد تكون مصدراً لطاقة والتجد الفني عندما توفر لها الرعاية والدعم الأسري.
أثر التوأم على الأداء والصمود الفني
بينت فاطمة سعيد أن وجود توأم في حياتها القريبة قبل الحفل شكل تحدياً إضافياً لكنها في الوقت نفسه منحتها دفعة معنوية قوية. قالت إنها كانت في الأصل تشعر بالق من أن الولادة ستقود إلى عدم القدرة على تقديم الحفل بالشكل المتوقع. ومع ذلك، أكدت أن الطاقة التي منحها ولاداها كانت كافية لإعادة شحن حماسها وتوفير القوة التي تجعلها تقف بثبات على خشبة المسرح وتؤدي واجبها الفني أمام جمهور كبير. هذا الوصف يعكس عمق التفاعل بين الحياة الأسرية والفن عند فاطمة سعيد، وهو ما يعز صورة الفنانة التي تفصل بين أدوار متعدة وتستمر في العطاء دون أن تفقد توازنها الشخصي.
إرث فاطمة سعيد في الأوبرا والذاكرة الفنية
على مدار مسيرتها، أثبت فاطمة سعيد أنها ليست مجرد صوت جميل، بل فنانة ذات قامة فنية ميزة، تملك قدرة على تقديم طاقات صوتية عالية المستوى وتطوير أساليبها بما يتناسب مع متطلبات المسرح الإيطالي والأوروبي والعالمي. من خلال دراستها في القاهرة وبرلين ثم ميلانو، وبفضل الجوائز العديدة التي نالتها، أصبحت فاطمة سعيد مثالاً يحتذى به لفنانين المصرين الذين يسعون إلى جسور بين التراث والحداثة، بين التقاليد الشرقية والابداع الغربي المعاصر. يعكس رصيدها الفني الطويل تنوعاً في الأساليب وتنوعاً في القراءات الموسيقية، وهو ما يجعل وجودها في افتاح المتحف المصري الكبير حدثاً ذا دلات عميقة على صعيد الثقافة والفنون.
ختام الجولة الفنية: أين تقف اليوم فاطمة سعيد؟
بين الثبات والإبداع، تواصل فاطمة سعيد مسيرتها الفنية بنبرة ثابتة وملهمة. هي ليست مجرد صوت أندفع ليطلق صدىً عبر مسارح قارة، بل هي جسر يجمع بين ما حقته من نجاحات عالمية وما تمثله من قيمة لفن المصري في المجتمع الدولي. وبناءً على ما أعلنته في حوارها مع منى الشاذلي، فإن التحديات التي واجهتها كأم حديثة لا تقف عائقاً أمام طموحاتها، بل تشكل خلفية صلبة تدفعها لمضي قدماً نحو مزيد من الإنجازات والإبداعات في المستقبل. فاطمة سعيد تبقى مثالاً حيّاً على أن الفن يمكن أن يكون قوة موحدة بين الشعوب، يربط بين الأجيال ويعز الهوية الثقافية في زمن التحولات. كما أن سلة الجوائز الدولية التي حصدتها تشهد على استمرارها في تقديم أدوار ساحرة وتجارب غنائية فذة، وهو ما يجعلها محطة أساسية في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية المعاصرة من مصر إلى العالم.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.














































































































