كتب: صهيب شمس
أصدرت منظمة الدول العربية المصدرة لبترول “أوابك” مستجداتها الأسبوعية حول أسواق النفط العالمية، لتؤكد أن مسارات الأسعار تجه نحو بعض التذبات في ظل عوامل عديدة تؤثر في الاتجاه العام. وفق التقرير، سجلت أسعار النفط الخام خسائر أسبوعية في الأسواق الآجلة، حيث بلغ الانخفاض نحو 1.8% لخام برنت و0.8% لخام غرب تكساس الأمريكي. وتأتي هذه النتائج في وقت تظل فيه توقعات السوق حذرة من مسار الإنتاج والطلب العالمين. كما يشير التقرير إلى أن العوامل الاقتصادية والمالية الدولية تظل حاضرة بقوة في تشكيل حركة الأسعار وتحديد مستوياتها في الأسابيع المقبلة، لا سيما مع استمرار النقاش حول سياسات الإمداد داخل تحالف أوبك+.
تطور أسعار النفط والأسواق العالمية
تشير المستجدات إلى أن سعر النفط يخضع لسلة من المتغيرات التي تشارك فيها عوامل اقتصادية وسياسية، منها تقلبات العملة الأمريكية وتوقعات الطلب في الأسواق الآسيوية والأوروبية. وفي هذا الإطار، ارتفعت في بعض الفترات مؤشرات التوقعات بأن تستعيد الأسواق نطاقات سعرية أكثر اتساعاً، رغم تسجيل مقادير الخسائر المذكورة أعلاه. وتبقى معادلة العرض والطلب هي المحد الرئيس لمسار الأسعار خلال الأشهر القادمة، مع وجود عوامل تزايد أو انخفاض في الطلب العالمي وفقاً لسياسات الدول المنتجة والاقتصادات الكبرى المستهلكة لنفط.
أوبك+ وخط زيادة الإنتاج في ديسمبر 2025
تعود مسألة الإنتاج إلى الواجهة مع توقعات بأن تواصل دول أوبك+ الثماني، وهي السعودية والإمارات والكويت والعراق والجزائر وعمان وروسيا وكازاخستان، خط زيادة الإنتاج خلال ديسمبر 2025. وتأتي هذه النظرة في إطار مسعى التحالف لاستعادة حصة أكبر من سوق النفط وتعويض خسائر الأسعار خلال الفترة الماضية. وفي هذا السياق، يظل أمام الأسواق سؤال أساسي وهو ما إذا كانت الزيادات التدريجية كافية لدعم الإمدات العالمية وتخفيف الضغوط الناتجة عن ضعف الطلب أو التوترات الجيوسياسية في بعض المناطق. كما يبرز في هذه الصورة محور ثانٍ يتعلق بتوازن المخاطر في المدى القريب والمتوسط، خاصة في ظل احتمالية استمرار ارتفاع الإنتاج بما يتجاوز الطلب في بعض الأحيان.
إعفاء Rosneft في ألمانيا من العقوبات وضمانات أمريكية
هناك تطور لافت يتعلق بالجانب التنظيمي والسياسي، حيث أشارت تقارير إلى تقديم ضمانات أمريكية بإعفاء شركة Rosneft في ألمانيا من العقوبات، وذلك لأنها لم تعد تحت السيطرة الروسية. ويُنظر إلى هذا الإعفاء على أنه يخف بعض المخاوف من احتمال تراجع حاد في الإمدات، خصوصاً أن سوق النفط يترقب أثر العقوبات الغربية على شركات الطاقة الروسية. ويعز ذلك قناعة لدى بعض الدول المصدرة بأن المخاطر على الإمدات تبقى محدودة نسبياً بوجود قدرات إنتاجية فائضة وبدائل جاهزة في الأسواق الدولية. غير أن هذا الوضع لا يخلو من تشكيك حول مدى استمرار الدعم الوجستي والمالي لتنفيذ هذه الضمانات في سياق جيوسياسي متقلب.
توقف المصافي الهندية عن شراء النفط الروسي وتداعياته
في جانب آخر من التطورات، أوردت تقارير تفيد بأن مصافي التكرير الهندية توقفت عن تقديم طلبات شراء جديدة لنفط الروسي بعد فرض العقوبات الأمريكية على شركتي Rosneft وLukoil. يأتي هذا التوقف كإحدى المؤشرات التي تعكس تأثير الإجراءات الأمريكية والغربية على حركة التجارة النفطية بين روسيا والدول الآسيوية الكبرى. وتُفسر هذه الخطوات بأنها جزء من تذب في مسارات الشراء الروسي وتبدلات في خطوط الإمداد، قد ترك آثاراً مقتصرة في المدى القريب على الأسواق الهندية بشكل خاص، لكنها قد تمتد لتشمل مؤشرات الطلب الآسيوي في حال استمرار سياسات العقوبات أو تغيّر في مواقف أكبر اقتصادات منطقة آسيا.
الارتفاعات في الإنتاج الأميركي وتأثيرها على السوق
على صعيد الإنتاج، ارتفع متوسط إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة الأمريكية إلى مستوى قياسي جديد بلغ نحو 13.6 مليون برميل يومياً، وهو ما يعز من قوة المعروض الأميركي في السوق العالمي. هذه الزيادة تعكس قدرة قطاع النفط الأميركي على التطور والتكيف مع المتغيرات السعرية، وتدعم احتمالات استقرار الإمدات في مواجهة تقلبات الطلب. وفي السياق نفسه، ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي الذي يقيس قيمته مقابل سلة من العملات الرئيسية إلى قرب أعلى مستوياته في ثلاثة أشهر، ما يزيد من تكلفة النفط المقوم بالدولار لمشترين بالعملات الأخرى. ورغم هذه الظروف، تبقى أسعار النفط معرضة لتأثيرات اقتصادية أخرى تعلق بالسياسات النقدية والتجارية التي قد تعيد توازنات السوق في الأشهر المقبلة.
الصين والطلب العالمي وتباطؤ قطاع الصناعة
في الصين، أكبر مستورد عالمي لنفط، يظهر أن انكماش نشاط المصانع لشهر السابع على التوالي وتراجع طلبيات التصدير الجديدة يمثلان إشارات على تباطؤ اقتصادي محتمل في ثاني أكبر اقتصاد عالمي. هذا الواقع يوحي بتأثيرات محتملة على الطلب العالمي على النفط، خاصة إذا استمرت وتيرة النمو الاقتصادي في الصين في الضعف. بالرغم من ذلك، فإن الرهانات حول السياسات الاقتصادية الأمريكية والصينية قد تفتح آفاق جديدة لـ«هدنة تجارية» بين البلدين، وهو ما قد يغير من ديناميات الطلب في الأسواق العالمية ويدفع أسعـار النفط نحو مسارات مختلفة حسب المعطيات القادمة.
تداعيات التوترات والتسليمات الأميركية والروسية
الأجواء الجيوسياسية تظل جزءاً من معادلة سوق النفط، مع حديث عن احتمال تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وفنزويلا، وهو احتمال قد يوقف صادرات النفط الفنزويلية في حال حدوثه. ومع هذا، نُفيت هذه التوقعات من قبل الإدارة الأمريكية فيما بعد، وهو ما يُشير إلى أن الأسواق تبقى في حالة ترقب وحذر. في المقابل، تواصل الضغوط على برنامج العقوبات وعلى استراتيجيات الشركات الروسية الكبرى في قطاع الطاقة، وهو أمر ينعكس بشكل واضح في حركة الأسعار والتوقعات المرتبطة بإمدات النفط العالمية.
خرائط المخزون والطلب في الولايات المتحدة وأثرها على الأسعار
في جانب المخزونات الأميركية، سجلت مخزونات النفط الخام التجارية انخفاضاً بنحو 6.9 مليون برميل، تزامناً مع تراجع الواردات إلى أدنى مستوى لها منذ فبراير 2021 وهو نحو 5 مليون برميل يومياً. كما تراجعت مخزونات الغازولين الأمريكية بنحو 6 ملاين برميل لتصل إلى نحو 210.7 مليون برميل، وهو مستوى قريب من أدنى مستوياتها منذ نوفمبر 2024، وذلك وسط ارتفاع في الطلب. هذه المعطيات تبرز أحد المحركات الأساسية التي قد تدفع الأسعار إلى الإرتفاع في حال استمر التوازن في انخفاض المخزونات أمام الطلب المتزايد تدريجياً، رغم الضغوط الاقتصادية أو القرات التنظيمية التي قد تعيد النظر في منحنى الطلب والشراء.
تصريحات وآفاق من وكالات الطاقة والقيادات الدولية
نقلت تقارير اقتصادية حديثة عن تصريحات المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول، بأن العقوبات المفروضة على دول مصدرة لنفط قد تدفع أسعار الخام لارتفاع، ولكن التأثير سيكون محدوداً بسب وجود طاقة إنتاجية فائضة والكثير من النفط في الأسواق. وأوضح بيرول، خلال تصريحاته في أسبوع سنغافورة الدولي لطاقة، أن “العقوبات التي تفرضها الدول أو تفكر في فرضها على بعض البلدان قد تدفع الأسعار إلى الأعلى لكني أعتقد أنه عندما نظر إلى الأسواق الآن، فإن هذا التأثير لا يزال محدوداً، ولا يزال لدينا سعر نفط حول 60 دولاراً، ولدينا كمية هائلة من الطاقة الإنتاجية الفائضة، والكثير من النفط”.” ويعكس هذا التصريح التوازن الحذر الذي يسعى السوق لتحقيقه، في ظل وجود طاقات إنتاجية كبيرة متاحة وتوقعات بأن تكون التغيرات في سياسات الدول الكبرى أقل تأثيراً من تغيرات الطلب الفعلي في الأسواق.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.















































































































