كتب: سيد محمد
سجل كبار مليارديرات الولايات المتحدة ارتفاعاً غير مسبوق في ثرواتهم خلال العام الماضي، حيث ارتفعت الثروة الجماعية لأغنى عشرة أمريكين بنحو 698 مليار دولار، وفق تقرير صادر عن منظمة أوكسفام الأمريكية. يحذّر التقرير من أن السياسات الاقتصادية المتبعة في الولايات المتحدة، والتي تضمن تخفيضات ضريبية لأثرياء والشركات وتراجعاً في دعم شبكات الأمان الاجتماعي، تدفع البلاد نحو مستويات قياسية من عدم المساواة. وأشار التقرير إلى أن هذه الفجوة ليست نتاج السياسات الراهنة فحسب، بل نتيجة تراكم قرات اقتصادية اتخذتها إدارات جمهورية وديمقراطية متعاقبة على مدى عقود. كما يشير التقرير إلى أن المسارات الاقتصادية المتباينة في النمو وتوزيع الثروة تفرض نموذجاً اقتصادياً يعيد تشكيل صورة الطبقات ويُسهم في ترسيخ الفوارق بين الشرائح المختلفة من المجتمع.
ارتفاع ثروة أغنى عشرة أمريكين بنحو 698 مليار دولار
تؤكد الأرقام أن الارتفاع المدفوع لهذه الثروة جاء بفعل تراكم جهات المال الكبرى، حيث بلغ الإجمالي 698 مليار دولار خلال عام واحد فقط. وتسلط البيانات الضوء على أن هؤلاء العشرة يشكلون فئة محدودة من الأميركين تمتلك حصة كبيرة من الثروة الوطنية وما يتصل بها من أصول. ويجدر التذكير بأن هذا الارتفاع يعكس اتجاهاً اقتصادياً يختلف عن مسارات الارتفاع التي تشهدها شريحة واسعة من المجتمع، وهو ما يعزّز النقاش حول العدالة الاقتصادية وكيفية توزيع النمو بين جميع فئات السكان. كما يؤكد التقرير أن هذه النتائج تصل بسياسات مالية واقتصادية أثّرت في توزيع الدخل والثروة عبر سنوات طويلة، وأنها تعكس تفاوتاً واضحاً في فرص الازدهار بين الأغنياء وبقية المجتمع.
تزايد عدم المساواة وتداعيات السياسات الاقتصادية
يؤكد التقرير أن عدم المساواة أصبح نتيجة طبيعية لسلة سياسات اقتصادية تعز امتيازات فئة محدودة وتقل من أعباء فئات واسعة من الأميركين. فالسياسات التي تشمل تخفيضات ضريبية تستهدف أصحاب الثروات والشركات وتراجعاً في دعم شبكات الأمان الاجتماعي تُسهم في تعميق الفجوة بين الأغنياء وباقي السكان. وتوضح الرسالة أن هذه الفجوة ليست مجرد حالة ظرفية، بل هي نتاج تراكم قرات اقتصادية اتخذت عبر عقود ضمن إدارات جمهورية وديمقراطية متعاقبة. كما يلاحظ أن تزايد الفوارق ينعكس في فرص التعليم، والقدرة على الاستثمار، واستقرار الدخل لأسر، وهو ما ينعكس سلباً على الاستهلاك ونمو الاقتصاد بشكل عام، ويزيد من حدة الاعتماد على النخبة المالكة لأصول.
التراكم التاريخي لثروة بين 1989 و202 وفق بيانات البنك الاحتياطي الفيدرالي
استناداً إلى بيانات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بين عامي 1989 و202، أظهر التقرير أن أعلى 1% من الأسر الأمريكية زادت ثرواتها بما يعادل أكثر من 101 مرة ما حقته الأسر في الوسط، وبما يقارب 987 مرة مقارنة بالأسر الواقعة في أدنى 20% من توزيع الدخل. كما يبيّن التقرير أن هذه الفجوة تعكس تفاوتاً صارخاً في مسارات النمو المحقة من خلال استثمار الثروات وتراكم الأصول. وفيما يتعلق بالمقارنة على مستوى المجموعة، أشار التقرير إلى أن متوسط المكاسب لدى شريحة أصحاب الـ1% بلغ نحو 8.35 مليون دولار خلال 3 عاماً، مقابل نحو 83 ألف دولار فحسب لمتوسط العام لأسر الأميركية. هذه الأرقام تبرز مدى التباين الكبير بين الأثرياء وباقي الأسر، وتدفع إلى إعادة تفكير في أساليب توزيع الثروة والدخل عبر السياسات الاقتصادية.
الفقر والواقع الاجتماعي في الولايات المتحدة وفق OECD
يبرز التقرير أن أكثر من 40% من الأمريكين، من بينهم حوالي نصف الأطفال، يعانون انخفاضاً في الدخل يصل إلى مستويات تقل عن مضاعف خط الفقر الوطني. وهذا الوضع يجعل الولايات المتحدة صاحبة أعلى معدل فقر نسبي بين الدول المتقدمة، إضافة إلى ثاني أعلى معدل فقر لأطفال وارتفاع وفيات الرضع، وفق بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). ويشير التقرير إلى أن هذه المؤشرات تؤشر إلى وجود فجوات واسعة في الحماية الاجتماعية والخدمات الأساسية، وتبرز الحاجة إلى سياسات أكثر شمولاً تعز من قدرة الأسر على تلبية احتياجاتها الأساسية وتوفير أفق مستدام لنمو.
تعقيب فريد وآفاق الإصلاح الاقتصادي
أكدت ريبيكا ريديل، كبيرة مستشاري السياسات لعدالة الاقتصادية في أوكسفام الأمريكية، أن “عدم المساواة خيار سياسي”، وهي فكرة تحمل في طياتها إمكانية تغيّر السياسات عندما تبدل الاختيارات السياسية والاقتصادية. وأضافت أن تجارب دول أخرى تثبت إمكانية اعتماد سياسات أكثر عدالة تقل الفقر وتوزع النمو بشكل متوازن بين الأفراد. هذا الطرح يفتح باب النقاش حول السبل الكفيلة بتوفير بيئة اقتصادية تيح فرصاً متكافئة لمشاركة في النمو وتحقيق الاستقرار الاجتماعي.
خطوات مقترحة لإعادة التوازن إلى الاقتصاد الأميركي
يقترح التقرير مجموعة إجراءات عملية كُبرى لإعادة التوازن الاقتصادي. وأول هذه الخطوات إصلاح النظام الضريبي بشكل يعيد توزيع العبء بما يتلاءم مع قدرات الدخول والأصول. كما يدعو إلى تعزيز حقوق العمال والنقابات وتوسيع شبكات الأمان الاجتماعي لمواجهة أزمات الدخل وتسرب الفقر. إضافة إلى ذلك، يشد التقرير على ضرورة تشديد قواعد مكافحة الاحتكار وفرض ضوابط أكثر صرامة على تمويل الحملات الانتخابية، من أجل منع تركّز السلطة الاقتصادية في أيدي فئة محدودة. وتظل الرسالة أن تبني سياسات أكثر عدلاً وتكافؤاً يمكن أن يحد من التفاوت ويسهم في توزيع النمو بشكل يحق فائدة أوسع لمجتمع كل.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.











































































































