كتب: علي محمود
أجاب الدكتور علي فخر، أمين الفتوى في دار الإفتاء، عن سؤال ورد إلى السائلة تقول فيه: “أصلي وأخشى من ربنا، فهل ثوابي يكون مقبولاً إذا صليت خوفاً فقط؟” وقد أوضح خلال تصريحاته التلفزيونية أن العبادة الخاضعة لخوف من اله ليست سباً لحرمان صاحبها من الثواب، بل هي دليل نبعته يقظة القلب وشعور العبد بعظمة مولاه وهيبته. وقال إن اله سبحانه وتعالى يثيب كل من أقبل إليه مخلصاً، سواء كان دافعه الخوف أو الرجاء أو المحبة. الخوف من ربنا في العبادة لا يجعل قبول العمل أمراً مستحيلاً، بل هو حالة تُعَبِّر عن صدى الخشية والتعظيم أمام عظمة الخالق.
المطلوب من المؤمن أن يترقى في عبادته، فينتقل من مرحلة الخوف إلى مرحلة المحبة، فيعبد اله لأنه يحبه لا لمجرد تجنُّب عقابه. وفي هذا السياق أشار إلى قول النبي صلى اله عليه وسلم: “أرحنا بها يا بلال”، مبيناً أن الصلاة ليست مجرد واجب يُؤدى، بل هي راحة لروح وتطمين لقلب. هذه الرؤية تؤكد أن الصلاة تجسد السكينة والطمأنينة التي يبحث عنها الإنسان، وهي بذلك أقوى من مجرد ربطها بالنوم أو الراحة الجسدية. فعلى المسلم أن يدرك أن الراحة الحقية ليست في النوم، وإنما في القلب الذي يجد سكينته وطمأنينته عند التوجه إلى اله بالصلاة.
الخوف من ربنا في العبادة كدافع نبيل
يؤكد أمين الإفتاء أن الخوف من ربنا يقف كدافع نبيل يوقظ القلب، ويمثِّل وعي العبد بعظمة الخالق ونظرته إلى العدل والرحمة الإلهية. فالمؤمن الذي يخاف من تقصيره أمام اله هو أقربُ إلى بلوغ درجات التواضع والخشية التي تفتح له باب التوبة والقبول. الخوف هنا ليس نهاية الطريق، بل نقطة انطلاق نحو حالة أعمق من الإيمان: الحب والخشوع.
وفي سياق الحديث عن الخوف من ربنا، شد الدّاعي على أن الدين يدعو إلى توازن داخلي بين الخوف والرجاء. فالمؤمن لا يقتصر على خوفه من العقاب، بل يوازن هذا الخوف بالرجاء في رحمة اله وبقائه مطمئنًا بأن اله يَقبل من العابدين الصالحين. وهذه الموازنة هي ما يحفظ قلب المؤمن اليأس، ويجعل العبادة صادقة ونافعة.
الثواب وتوازن الخوف والرجاء في الصلاة
يؤكد الدكتور فخر أن ثواب العبادة لا يتوقَّف على وجود دافع واحد فقط، فاله يثيب المؤمنين مهما كان موضع الدافع حين يخلصون النية ويريدون وجه اله. الخوف من ربنا على نحو نبيل لا يمنع قبول الصلاة، بل يمكن أن يعظِّم أجرها حين تكون ركيزتها الإخلاص والنية الصادقة. وفي هذا الإطار يذكر أن اله يعظم الثواب لمن يتوجه إليه طالباً الرحمة والمغفرة، لا محض تجنّب العقاب.
كما أورد أمين الإفتاء أن وجود الخوف والرجاء معاً يعبِّر عن توازن روحي ضروري. المؤمن عندما يخاف تقصيره ويرجو رحمة اله في الوقت نفسه تكون عبادته أكثر صدقاً وأعمق أثراً في قلبه. هذه الرؤية تبيِّن كيف أن الدين يعز الاستقامة من خلال تربية النفس على الرهبة من اله ومتانة الرجاء في رحمته.
الصلاة كراحة لقلب: حديث أرحنا بها يا بلال
يُبرز الحديث النبوي الذي يحث على راحة الصلاة لروح، إذ قال النبي صلى اله عليه وسلم “أرحنا بها يا بلال” ليؤكد أن الصلاة ليست مجرد أداء واجب، بل هي سكينة وطمأنينة لنفس. وفي وصف آخر، يشرح الراوي أن بلال رضي اله عنه يرد عند الفجر: “الصلاة خير من النوم”، وهو قول يعكس أن الصلاة تحمل سكينة أرفع من معنى النوم الجسدي. هذا المعنى يعكس أثر العبادة على قلب المؤمن، حيث تحول الصلاة إلى راحة نفسية تحيط بالروح وتمنحها الاطمئنان.
من الخوف إلى المحبة: ترقٍّ روحي يساعد على الاتباع
يشير أمين الإفتاء إلى أن المؤمن يسعى باستمرار إلى ارتقاء عبوديته، منتقلًا من مستوى الخوف إلى مستوى المحبة. فمع ازدياد محبة اله يزداد الانقياد والطاعة، وتحول العبادة من مجرد أداء واجب خوفاً من العقاب إلى عبادة تعبِّر عن حب القلب له. هذه الحركة الترقيّة في الروح هي ما يفتح أبواب القرب من اله ويقود إلى مزيد من الطاعة والتزام بتعاليم الشرع.
وفي هذا السياق يعبِّر الدعاء المستشهد به: “نسأل اله أن يرفعنا من عبادة الخوف إلى عبادة الحب، وأن يجعلنا من الذين يعبدونه شوقًا إليه، لا فقط رهبةً من عقابه” عن الرغبة في بلوغ مرتبة عبادة يتزايد فيها الشوق إلى اله. فكلما زاد الحب في القلب زادت الطاعة، وارتقى المسلم في مراتب القرب من اله.
التوازن الشرعي بين الخوف والرجاء في عبادة المؤمن
ختاماً، يوضح الداعية أن التوازن بين الخوف والرجاء هو القاعدة الشرعية الصحيحة لسلامة القلب وصدق العبادة. فالمؤمن يُقبل على اله بخوفه ورجه، لا بإفراط في أحد الطرفين على حساب الإيمان. وتُعد الموازنة الدقيقة بين هذين المقامين هي التي تحافظ على سلامة القلب وتُبقي العبادة صادقة ومقبولة، لأن القلوب التي تجمع بين الخوف من العيب والرجاء في رحمة اله تكون أقوى على طاعة الخالق ومتابعة النبى صلى اله عليه وسلم في سُنه وأوامره.
وفي الختام، يظل التوجيه الشرعي واضحاً: الخوف من ربنا إن كان دافعاً لعبادة بشكل نزيه ومخلص فلا يمنع الثواب، بل قد يعز الأجر عندما يرافقه الرجاء والمحبّة والنية الصادقة. فالمؤمن مطالب بأن يستمر في ترقّي قلبه من مقام الخوف إلى مقام الحب، حتى يحوز رضا اله ويتضاعف قربه. وعندما يتحق هذا التدرج، تكون العبادة النافعة التي تقود إلى السكينة والطمأنينة وتفتح أبواب الرحمة الإلهية.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.














































































































