كتب: سيد محمد
أظهر المسح الذي أجرته مجموعة ستاندارد أند بورز جلوبال لمديري المشتريات في قطاع الأعمال اليوم الثلاثاء أن أبطأ انكماش القطاع الخاص غير النفطي في مصر خلال ثلاثة أشهر انتهت بشهر أكتوبر 2025. إذ انخفضت الطلبات الجديدة والإنتاج بوتيرة أبطأ مقارنة بالفترة السابقة، وهو ما يعكس تراجعاً طفيفاً في نشاط الأعمال رغم أن الصورة العامة لا تزال سلبية من حيث النمو. وبحسب رويترز، ارتفع مؤشر PMI لمصر إلى 49.2 في أكتوبر من 48.8 في سبتمبر، وهو دون مستوى 50 نقطة الفاصل بين النمو والانكماش. ومع ذلك، جاءت القراءة أعلى من المتوسط المسجل في السلة البالغ 48.2، وهو ما يوحي بتخفيف في وتيرة الانكماش مقارنة بالشهور الأخيرة. وفي هذا الإطار، برز قطاع الصناعات التحويلية في المقدمة، حيث سجل زيادة طفيفة في حجم الطلبات الجديدة، بينما واجهت قطاعات أخرى مثل الخدمات وتجارة الجملة والتجزئة والبناء نشاطاً أضعف. كما أن الانخفاض العام في الأعمال الجديدة كان الأقل حدة خلال فترة زمنية امتدت لخمسة أشهر. إضافة إلى ذلك، ارتفع معدل التوظيف لمرة الثة في أربعة أشهر، وهو تحرّك مدفوع باستقرار أكبر في الطلب، رغم أن خلق فرص العمل ظل محدوداً. وتزايدت الضغوط على الأسعار، إذ ارتفعت تكاليف مستلزمات الإنتاج بأسرع معدل خلال خمسة أشهر، وذلك بقدر أكبر من الزيادة في تكاليف الأجور التي سجلت أعلى ارتفاع منذ أكتوبر 20. ورغم ذلك، تمكنت الشركات من امتصاص معظم الزيادات في التكاليف، ما أدى إلى انخفاض معتدل في معدل تضخم أسعار البيع. وفي هذا السياق، قال ديفيد أوين الخبير الاقتصادي الكبير في ستاندرد اند بورز جلوبال ماركت إنتليجنس إن الزخم في الأسواق المحلية تحسن بشكل طفيف في بداية الربع الرابع، مضيفاً أن ارتفاع تكاليف المدخلات قد يبطئ من وتيرة النمو إذا واجهت الشركات صعوبات في استيعاب هذه التكاليف خلال الأشهر المقبلة. كما تحسنت توقعات النشاط المستقبلي، حيث عبرت الشركات عن تفاؤلها بشأن طلب العملاء والظروف الاقتصادية المحلية، وإن ظلت التوقعات أقل من الاتجاه الطويل الأجل. وبالتوازي مع المعطيات، يظل النقاش حول مدى قدرة الشركات على التكيف مع الضغوط المستمرة في الأسعار والطلب العام يفرض نفسه كعامل مؤثر على مسار الاقتصاد المصري في الأشهر القادمة.
أداء أبطأ انكماش القطاع الخاص غير النفطي في أكتوبر يعكس تحسن الطلب العام
تظهر البيانات أن القراءة الخاصة بمؤشر PMI جاءت 49.2 في أكتوبر، مقابل 48.8 في سبتمبر. وهذا يعني أن الانكماش لا يزال قائماً، لكنه في حدودٍ أضيق من ذي قبل. وبمقارنة القراءة مع المستوى المحايد البالغ 50، يتضح أن القطاع الخاص غير النفطي لا يزال في منطقة الانكماش، إلا أن الانخفاض كان أقل عمقاً من التوقعات السابقة. وهذا التطور يشير إلى أن الطلبات الجديدة والإنتاج في أكتوبر تراجعا لكن بوتيرة أبطأ، ما يعز فكرة أن قطاع الأعمال في مصر يمر بفترة هدنة نسبية مقارنة بالشهور السابقة. كما أن القراءة جاءت أعلى من المتوسط التاريخي لسلة، وهو ما يعكس تحسنات ملموسة في أوضاع العمل رغم استمرار الضغوط الكلية.
دور الصناعات التحويلية في قيادة التحسن الطفيف وتباين الأداء بين القطاعات
نما قطاع الصناعات التحويلية في أكتوبر بصورة طفيفة في حجم الطلبات الجديدة، وهو ما يعكس استيعاباً جزئياً لارتفاع الطلب المحلي المتوقع وتماسكاً نسبياً في بعض السلاسل الإنتاجية. في المقابل، أظهرت قطاعات الخدمات وتجارة الجملة والتجزئة والبناء نشاطاً أقوى تراجعاً أو تباطؤاً في وتيرته مقارنة بالصناعات التحويلية. هذا التفاوت يشير إلى أن التحسن الذي يبدو في قطاع محد لا يعُم على بقية القطاعات بنفس القوة، وهو ما يفسر وجود قراءة PMI قادمة منطقياً دون أن تحمل في طياتها إشارات قوية لنمو الشامل. من جانب آخر، الانخفاض العام في الأعمال الجديدة ظل محدوداً مقارنة بفترات سابقة، وهو ما يعز فكرة أن قطاع الأعمال المصري يستطيع التعامل مع الضغوط ويحافظ على قدر من الحيوية رغم التحديات.
التوظيف وتطور الطلب: إشارات تباطؤ وتفاؤل محتمل لمستقبل
أما على صعيد التوظيف، فكان الارتفاع لمرة الثة في أربعة أشهر، وهو ارتفاع لم يترافق مع خلق فرص عمل كبير كما قد يتوقع المرء في بيئة تسم بتماسك الطلب. هذا التفاوت بين زيادة المعتدل في الطلب وبين قوة التوظيف يشير إلى أن الشركات تواصل تعزيز قدراتها الإنتاجية دون أن تكبد مخاطر تشغيلية إضافية كبيرة في الوقت الحالي. وفي الوقت نفسه، ظل الطلب ثابتاً إلى حد ما، ما يمنح الشركات هامشاً لسيطرة على العمالة والانتقال إلى فترات أقوى إذا ما استمر الطلب في التحسن. هذه المعطيات تفتح باً لتقيمات مستقبلية أكثر تفاؤلاً من حيث قدرة الاقتصاد على مواجهة تقلبات الطلب، لكنها في الوقت نفسه ترك الباب مفتوحاً أمام احتمالات تباطؤ إضافي حال استمرت الضغوط في الارتفاع.
الضغوط على الأسعار وتكاليف الإنتاج: اختبارات مهمة أمام الشركات
شهدت تكاليف مستلزمات الإنتاج ارتفاعاً أسرع ما سبق في خمسة أشهر، وهو ما يعكس ضغوط تضخمية محلية محتملة في سلاسل الإمداد. وتلك الزيادات مدفوعة أيضاً بارتفاع كبير في تكاليف الأجور لم تصل إلى مستويات القياس القصوى، لكنها تعتبر أعلى معدل منذ أكتوبر 20. ورغم ارتفاع التكاليف، تمكنت الشركات من امتصاص جزء كبير منها، ما أدى إلى انخفاض متواضع في معدل تضخم أسعار البيع. هذه الديناميات تطرح سؤالاً حول قدرة الشركات على نقل الزيادات على تكلفة الإنتاج إلى الأسعار في الأشهر المقبلة، في وقت يبرز فيه توازن الأسعار كعامل رئيسي في الحفاظ على الطلب وتنافسية قطاعي التصنيع والخدمات. بشكل عام، تؤكد القراءة أن الضغوط التضخمية ما زالت حاضرة، لكنها لم تحول إلى تفقُّداً كاملاً لسلة الأسعار أو إلى ارتفاع حاد في الأسعار النهائية الموجهة لمستهلك.
توقعات النشاط المستقبلي وآفاقه في السوق المحلي
أما بخصوص آفاق الأعمال، فقد أظهرت توقعات الشركات تحسناً في النشاط المستقبلي، حيث أعربت الشركات عن تفاؤل حذر بخصوص طلب العملاء والظروف الاقتصادية المحلية. إلا أن هذه التوقعات بقيت أقل من الاتجاه الطويل الأجل، وهو ما يعكس مدى الحذر الذي يعتمده قطاع الأعمال أمام المخاطر الاقتصادية على المدى المتوسط. يبقى السياق المحلي عاملاً رئيسياً في تشكيل هذه التوقعات، حيث يعتمد الأداء في الأشهر القادمة على مدى قدرة الشركات على التكيف مع التضخم والتكاليف والتغيرات في الطلب. وفي هذا الإطار، تظل المعطيات التي يوفرها PMI مرآة لبيئة الأعمال وتوقعاتها، وتؤكد أن هناك خشية مستمرة من ارتفاع الضغط المالي، لكنها في المقابل تحمل دلات على بعض التحسن في الزخم المحلي، خاصة في الأسواق التي تقودها الصناعات التحويلية وتلك المرتبطة بالنشاط المحلي القوي.
ملاحظات حول البيانات وقراءة الوضع الاقتصادي
ترسم القراءة الحالية صورة اقتصادية توسط بين حالة الركود الجزئي والبدء في اندفاع منسوب الطلب. الوتائر الأبطأ في الانكماش إذا ما استمرت مع تحسن في الطلب المحلي قد تفتح الباب أمام مسار أقرب إلى الاستقرار، وهو ما يمثل مؤشراً إيجابياً لاقتصاد الوطني. لكن في المقابل، تظل هناك تحديات مرتبطة بارتفاع تكاليف المدخلات والأسعار، ما يستدعي اتخاذ سياسات عملية من شأنها تخفيف العبء عن الشركات وتيسير عملية الاستيعاب لتكاليف الإنتاج. هذه الصورة العامة تعكس توازناً دقيقاً بين ميكانيكيات الانكماش والتحسن الجزئي، وتسلط الضوء على أن الاقتصاد المصري يواجه صعوبات قصيرة الأجل لكنها ليست غير قابلة لتغلب عليها من خلال تدابير مناسبة وتفاعل فعّال بين القطاعين العام والخاص.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.











































































































