كتب: صهيب شمس
يواصل منتدى القاهرة في دورته الثانية (CAIRO FORUM 2) جسور الحوار بين قادة الفكر الاقتصادي والسياسي حول مستقبل القارة الأفريقية. وفي جلسة حوارية حملت عنوان “كيف نصل إلى أفريقيا التي نشدها؟” دار النقاش تحت إشراف محمد قاسم، الأمين العام لمركز المصري لدراسات الاقتصادية ورئيس مجلس إدارة شركة ورلد تريدنج، حيث استعرض المتحدثون التحديات والفرص التي ترسم معالم مسار التنمية الشاملة والرخاء لسكان القارة. أفريقيا اليوم تقف عند مفترق تاريخي، كما أشار الخبراء، أمام تحولات جيوسياسية واقتصادية وتكنولوجية غير مسبوقة، تستدعي استغلال هذه الديناميكيات وتغير السردية السائدة وتعزيز الشراكات الفعالة داخليًا وخارجيًا.
ديناميكيات التحول وتغير السردية نحو رهانات واقعية
أجمع المشاركون على أن القارة الإفريقية تمتع بإمكانات كبيرة، لكنها تحتاج إلى قراءة جديدة لواقعها وتفاعل أكثر فاعلية مع المتغيرات العالمية. أشاروا إلى أن التحولات التكنولوجية، والانخراط في عالم متعد الأقطاب، وتغير سلاسل التوريد، وتراجع التيارات المساندة لمساعدات، وتزايد الاعتماد على العملات المحلية، جميعها عناصر تشكل فصولاً جديدة في مسألة النمو والتعاون. وتناولوا كيفية تحويل هذه الديناميكيات إلى فرص لاستثمار في الشباب والقوى البشرية، مستندين إلى مقومات القارة من موارد طبيعية وبشرية تعزها مؤسات وطنية وقنوات تمويل محلية.
الاستفادة من القوى الشابة وتوظيف الموارد من خلال استراتيجيات محلية
ناقش إيهيزوجي بينيتي، الرئيس التنفيذي لشركة ريزيرف تكنولوجيز، التطورات التكنولوجية كعامل حاسم لإعادة تشكيل المشهد الأفريقي. وأكد أن التحولات الراهنة تفتح آفاق أمام الاستثمار في الذات الأفريقية، معتمدة بشكل خاص على قوة السكان الشباب وصوتهم المتنامي في أسواق العمل والابتكار. كما لفت إلى أهمية دعم البلدان والبيئات الاستثمارية الافريقية لتنمية القدرات والموارد المحلية، والاستفادة من الأسواق الإقليمية في بناء سلاسل قيمة أقوى وأكثر قدرة على المنافسة في العولمة.
دور الأفارقة في تعزيز الاستفادة من الثروات الوطنية
أشار أيو سوبيتان، الرئيس التنفيذي ومؤس شركة ميتالكس كوموديتيز، إلى وضع أفريقيا السابق قائلاً: “كأن العالم في وليمة، وأفريقيا موجودة على قائمة الطعام، والجميع يأكل باستثناء الأفارقة.” ودعا إلى انخراط أفريقي فعّال في آليات الاستثمار واستخدام الموارد تحت الأرض (المناجم)، وبأرضها (المزارع)، وفوق الأرض (الشعوب والغابات)، من أجل تحقيق دخل مستدام يبد شعور الإقصاء الاقتصادي. كما شد على أن لا أحد سيأتي لإنقاذ القارة، وإنما عليها أن تنطلق من إمكاناتها وتعيد ترتيب أولوياتها بالاعتماد على الموارد والطاقات المتاحة داخليًا.
أجندة 2063 وفرص بناء القدرات المؤسية
تناول مادو بيتي، السكرتير التنفيذي لمؤسة بناء القدرات الأفريقية (ACBF)، جوانب أجندة 2063 معتبراً إياها ليست حلماً بعيد المنال، بل رؤية قابلة لتحق من خلال مسار عملي. ركّز في عرضه على أهمية بناء القدرات البشرية من خلال تقويم المهارات والكفاءات، وتطوير مؤسات فعالة، وربط الأشخاص بالمعرفة والتغيرات التقنية. كما أكد أن الاستثمار في القدرات ليس خياراً بل ضرورة لمواجهة نقص العمالة الماهرة وتطوير التصنيع المحلي وتحويل الموارد الخام إلى منتجات ذات قيمة مضافة، وهو مسار يؤثر في القدرات الإنتاجية والأثر الاقتصادي على المدى الطويل.
رؤية ناميبيا ومناخ الاستثمار في القارة
قالت الدكتورة نانجولا نيلو أواندجا، الرئيس التنفيذي لمجلس ترويج وتنمية الاستثمار في ناميبيا (NIPDB)، إن هذه المرحلة تمثل أفضل وقت لأفريقيا في ظل التحولات العالمية التي توفر فرصاً هائلة، وأضافت: “العالم يحتاج أفريقيا، وإفريقيا تحتاج العالم”. دعت إلى تعزيز الشراكات، بدءاً من التعاون بين الدول الأفريقية نفسها، ثم مع شركاء عالمين يملكون المهارات والأسواق، مع حث القطاع الخاص الأفريقي على المشاركة بصورة أوسع في حل تحديات التنمية. وأكّدت أن التعاون الإقليمي ليس خياراً بل شرط أساسي لتسريع المشاريع وتحرير الموارد من قيودها نحو قيمة مضافة تعز النمو المستدام.
دفع أجندة القارة وتوحيد الصوت على المسرح العالمي
أبرزت ندي أوكونكو نونيلي، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة وان كامبين، ضرورة أن تصوغ أفريقيا أجندتها الخاصة وتُحدث صوتها الموحد في المحافل الدولية. أشارت في حديثها إلى أن عام 2025 يمثل “دعوة لاستيقاظ” مع استضافة جنوب أفريقيا لقمة مجموعة العشرين، وهو إطار يفتح باً أمام أفريقيا لتقديم سردها الاقتصادي الخاص، وامتلاك بيانات دقيقة حول القارة، وتخفيض تكلفة رأس المال عبر وجود بيئة من الثقة والاستقرار. كما شدت على أن النظرة إلى الزيادة السكانية الشابة ينبغي أن تُرى كقوة عاملة واستثمار موثوق به لعالم، وليس كعبء يثقل كاهل الدول.
مرحلة مفصلية وتوجه محد نحو السردية الأفريقية
أشارت ناتالي ديلابالم، الرئيس التنفيذي لمؤسة مو إبراهيم، إلى أن أفريقيا تمر بمرحلة مفصلية تشكل فيها الأزمات فرصاً لإعادة تشكيل السردية الاقتصادية ومراجعة النماذج التنموية. دعت إلى تحديد موقف أفريقي مشترك قبل المناقشات العالمية وتحديث السردية لتبرز ثروات القارة ومواردها الذاتية. كما شدت على أهمية المال الذكي بدلاً من جمع المال الكثير، والتكامل القاري في سياق سيادة القانون والأمن وتخفيف مخاطر الاستثمار. أشارت إلى ضرورة التعامل مع قضايا الأمن والصراعات والحوكمة لخفض “المكافأة الأفريقية” المرتبطة بتكاليف المخاطرة، مع التأكيد على أن التماسك القاري يعز الثقة في فرص التنمية.
ختام بثمرات التجربة وتوجيهات نحو المستقبل القريب
اختم الأمين العام محمد قاسم الجلسة بتجارب أفريقية واقعية، مبرزاً التحديات التي تعترض الحركة بين العواصم الأفريقية والأنظمة الوجستية والمصرفية، إضافة إلى صعوبات تطبيق قرات الاتحاد الأفريقي. كما أشاد بالجهود التكاملية الرامية إلى تعزيز التعاون، وأصر على ضرورة استنساخ النماذج الناجحة مثل معرض “وجهة أفريقيا” لنسيج كإطار عملي يسرّع من تحقيق الأهداف التنموية. في هذه الرؤى، تضح السبل العملية لتنمية القارة عبر تعزيز الشراكات، وتطوير الموارد البشرية، وتسهيل الاستثمار، وتحسين الإطار التنظيمي، بما يتفق مع رؤية أفريقيا المزدهرة التي يسعى الجميع لتحقيقها.
نص الحوار والجهود التي تواكبه تشي بأن صفحة جديدة في تاريخ القارة بدأت تفتح أبوابها أمام مزيد من التكاتف والتزام بالمبادرات الفعالة. بذلك، تكون العناوين الكبرى في هذه الجلسة قد صورت ملامح الطريق نحو أفريقيا التي نشدها، عبر إرادة مجتمعها وتضافر جهوده مع شركائه المحلين والدولين، لإرساء نموذج تنموي مستدام يواكب التغيرات الراهنة ويُسهم في تحقيق رخاء متوازن لسكانها.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.











































































































