كتب: إسلام السقا
توفي ديك تشيني، نائب الرئيس الأميركي الأسبق والوجه البارز في تاريخ السياسة الأمريكية خلال العقود الأخيرة، عن عمر يناهز 84 عاماً. كان تشيني أحد أكثر السياسين تأثيراً وإثارة لجدل في الساحة الأمريكية، حيث شغل موقع نائب الرئيس في إدارة جورج بوش الابن (201–209) وكان حاضراً في قلب صناعة القرار. يعد من الشخصيات التي تركت بصمة عميقة في السياسة الخارجية والأمن القومي، خصوصاً في الفترة التي عُرفت بتغير وجه الشرق الأوسط بعد أحداث 1 سبتمبر. وُلد ريتشارد بروس تشيني عام 1941 في ولاية نبراسكا، ونشأ في بيئة محافظة بولاية وايومنج، التي ظل مثلاً لها لاحقاً في الكونجرس. تخرج من جامعة وايومنج، ثم بدأ مسيرته السياسية مبكراً في سبعينيات القرن الماضي، حيث عمل في إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون، ثم أصبح كبير موظفي البيت الأبيض في عهد جيرالد فورد، ما فتح أمامه أبواب النفوذ في واشنطن. في عهد الرئيس جورج بوش الأب، تولّى تشيني وزارة الدفاع الأمريكية (1989–193)، وكان من أبرز مهندسي حرب الخليج الأولى عام 191 لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، وهو الدور الذي منحه سمعة “الصقر الحازم” في قضايا الأمن القومي. حين اختاره جورج بوش الابن نائباً له عام 20، عاد تشيني إلى دائرة القرار الكبرى. لكنه لم يكن نائباً تقليدياً؛ بل كان الرجل القوي في إدارة بوش، وصاحب الكلمة العليا في قضايا الأمن والدفاع والطاقة. بعد هجمات 1 سبتمبر 201، برز دوره في توجيه السياسة الأمريكية نحو الحرب في أفغانستان والعراق، ودفاعه الشرس عن استخدام التعذيب وأساليب التحقيق القاسية بدعوى “حماية الأمن القومي”. ويعد تشيني أحد أبرز مهندسي غزو العراق عام 203، إذ دعم بقوة الرواية القائلة إن نظام صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل وهي الذريعة التي ثبت لاحقاً زيفها. وقد تركت تلك الحرب، التي أطاحت بالنظام العراقي وفتحت باب الفوضى في المنطقة، وصمة دائمة في إرثه السياسي. وبعد مغادرته البيت الأبيض عام 209، واصل تشيني الدفاع عن سياساته الأمنية، منتقداً إدارة باراك أوباما لانسحابها من العراق وتقليصها صلاحيات أجهزة الاستخبارات. كما سطع نجم ابنته ليز تشيني، التي ورثت عنه الحضور القوي داخل الحزب الجمهوري، قبل أن تحول إلى أحد أبرز خصوم دونالد ترامب بعد أحداث اقتحام الكونجرس.
مسيرة ديك تشيني المبكرة وتكوّنه السياسي
تشكلت في سيرة ديك تشيني مبكراً ملامح رجل أدّى أدواراً مهمة في مفاصل وزارة الدفاع والبيت الأبيض. فقد وُلد في نبراسكا ونشأ في وايومنج، وهو مسار تربطه بداياته بنطاق المحافظين وقيم الانضباط والولاء لوطن. وعندما دخل عالم السياسة، وجد نفسه جزءاً من جيل أخذ على عاتقه بناء استراتيجيات طويلة الأمد في واشنطن. تخرجه من جامعة وايومنج مَكّنَه من الانطلاق نحو وظائف رفيعة في إدارات رئاسية سابقة، ما مهد له لاحقاً أن يكون أحد أقطاب السياسة الدفاعية والأمنية خلال العقود التالية. هذه البدايات ساهمت في تشكل مناخ من الثقة بالنفوذ والقدرة على قراءة المشهد السياسي، وهو ما اتضح لاحقاً في الأدوار التي تولاها داخل البيت الأبيض.
ديك تشيني في صلب القرار الأميركي خلال حكم بوش
عندما اختُير تشيني نائباً لجورج بوش الابن في 20، لم يكن مجرد نائب تقليدي. بل بدا كأحد الأعمدة التي تحملت زمام السياسة الداخلية والخارجية معاً. ظهر حضور تشيني كقوة مؤثرة في مراكز القرار، إذ امتد تأثيره ليشمل قضايا الأمن والدفاع والطاقة. هذا الدور الميز سمح له بأن يلعب دوراً حاسماً في رسم الاستراتيجيات الأميركية على امتداد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وقد أتاح له ذلك أن يكون جهة القرار التي يلتزم بها فريق البيت الأبيض، ويمثل فيها خطوط حمراء من شأنها تشكيل اتجاهات السياسة الأميركية.
الحربان والنهج الأمني الأميركي: العراق وأفغانستان
بعد هجمات 1 سبتمبر 201، برز دور تشيني في توجيه السياسة الأمريكية نحو خوض حروب في أفغانستان والعراق. لقد كان دفاعه عن استخدام أساليب التحقيق القاسية وتبني منطق حماية الأمن القومي من الدعائم الأساسية لخطاب الإدارة في تلك الفترة. وعُرف عنه أنه كان من أبرز المدافعين عن الرؤية التي جعلت من العراق محوراً رئيسياً لسياسة الخارجية الأمريكية في تلك الحقبة. كما كان من أبرز المهندسين لإطلاق الحرب على العراق عام 203، حيث دعم رواية وجود أسلحة دمار شامل في العراق كذريعة رئيسية لتلك الحرب، وهو اتهام لاحقاً ثبت أنها غير صحيحة. تركت الحرب تبعاتها وتداعياتها في المنطقة وترك تشيني بصمة قوية في تاريخ السياسات الأميركية، بما في ذلك إطاحة النظام العراقي وأثرها في الفوضى القائمة منذ ذلك الحين.
إرث ديك تشيني وما بعد الرئاسة
بعد مغادرة البيت الأبيض في 209، واصل تشيني الدفاع عن سياساته الأمنية، عارضاً آراء تقلّب السياسات في عهد إدارة باراك أوباما، خاصة فيما يتعلق بانسحاب القوات الأمريكية من العراق وتقليص صلاحيات أجهزة الاستخبارات. كانت مواقفه من هذه السياسات محوراً هاماً في النقاشات حول الاستراتيجيات الأميركية في المنطقة. هذا الجانب من إرثه يعكس جانباً ثابتاً من التفكير الأمني الذي ظل يراه حيوياً لضمان استمرار الوجود الأميركي في مناطق حساسة من العالم، وتحديداً في الشرق الأوسط حيث توازن القوى روافع دبلوماسية وعسكرية معاً.
ليز تشيني: حضور سياسي عائد إلى العائلة
إلى جانب دوره السياسي، برز اسم ليز تشيني كأحد أبرز الشخصيات التي ورثت عنه حضوراً قوياً داخل الحزب الجمهوري. سطع نجمها في المشهد السياسي كأحد الأصوات القوية داخل الحزب، قبل أن تحول إلى معارضة بارزة لديمقراطين والرئيس دونالد ترامب في محطات لاحقة من التاريخ السياسي الأميركي، خصوصاً بعد أحداث اقتحام الكونجرس. هذه الدينامية العائلية تعكس عمق التراكم السياسي لعائلة تشيني وتفاعلها المستمر مع مسارات السياسة الأمريكية، حيث يمثل الابن والابنة نموذجين من إرث عريض يمتد عبر أجيال من القيادات.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.














































































































