كتب: صهيب شمس
أثار التصعيد الإعلامي الذي أطلقه الداعية السلفي الدكتور أسامة القوصي ضد الشيخ مصطفى العدوي جدلاً واسعاً في الأوساط الدينية والإعلامية، خاصة مع تداول أنباء عن القبض على الأخير. ويتناول القوصي في كلامه أن فتاوى العدوي تمثل خطراً حقيقياً على الأمن القومي المصري، إضافة إلى أضرارها التي تطال وعي المجتمع الديني والفكري. وفي عبارة عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي، أشار القوصي إلى أن أثر فتاوى أسامة القوصي يمتد عبر سنوات ويضم سلسلة من الفتاوى التي وصفها بـ«الطوام»، مع استشهادات بارزة مثل تحريم إيداع الأموال في البنوك بما فيها بنك فيصل الإسلامي بزعم أن فوائدها «ربا محرم»، وهو موقف يعتبره القوصي سبباً في تآكل الثقة بالنظم النقدية وتضخيم مخاطر التوظيف غير الآمن للأموال. كما أشار إلى أن مثل هذه الدعوات تفتح باباً أمام مخاطر اقتصادية واجتماعية عميقة، قد تخرج عن السيطرة إذا بقيت دون رادع أو توجيه. وتناول القوصي في ذاته مسألة أخرى تتعلق بتاريخ البلاد وتراثها؛ فقد انتقد تصريحات العدوي عن المتحف المصري الكبير ورأيه بأن المصريين القدماء «قوم فرعون»، معتبراً أن زيارة هذا المعلم الحضاري تعد «تعظيمًا للكفر وأهله»، وهو توصيف يرى فيه تغييباً لتاريخ مصر العريق وتعبيراً عن فكر مغلق لا يليق بداعية يتحدث باسم الدين. ويؤكد القوصي أن فتاوى العدوي ليست مجرد آراء شخصية؛ بل «ظلمات بعضها فوق بعض»، كما قال، تعكس جهلاً واضحاً بالواقع وبمقاصد الشريعة، وتُظهر خطورة فكر يراوح بين الجدل الفقهي والتأويل الاجتماعي الضار. وفي هذا السياق، دعا القوصي المؤسسات الدينية إلى التصدي لهذا الخطاب المتشدد بالفكر والعلم والوعي، وتفنيد مضامينه وتبيان مسالك الشرع الصحيحة أمام الجمهور العام.
أثر فتاوى أسامة القوصي على الأمن القومي
يرى القوصي أن فتاوى العدوي لم تقتصر على نقاش فقهي عابر، بل تخطت حدود الكلام العابر لتنال من مرتكزات الأمن القومي المصري. فالتشكيك في أنظمة مصرفية معتبرة، مثل حظر إيداع الأموال بزعم أنها ربا محرم، يفتح باباً لسلوك اقتصادي غير مستقر قد ينعكس سلباً على الثقة في المصارف الوطنية، ويضعف قدرة المجتمع على حفظ أموالهم بشكل آمن. في هذا السياق، وردت في تصريحات القوصي إشارات إلى أن هذا النوع من الدعوات يخلق حالة من عدم اليقين الاقتصادي، ما ينعكس على السلوك الاستثماري والادخاري للأفراد، ويضغط على منظومة الثقة التي هي ركيزة أساسية لاستقرار أي اقتصاد. كما يرى أن مثل هذه الفتاوى يمكن أن تتمدد وتُحفز سلوكيات توظيف أموال غير آمنة في أوقات قد تشهد تراجعاً اقتصادياً أو تضرر التوازنات المالية للمجتمع، وهو ما يعتبره تهديداً حقيقياً للأمن القومي من جهة تأثيراته المباشرة على الاقتصاد واحتياجات المواطنين اليومية.
تسيء لتاريخ مصر وتعبّر عن فكر منغلق
ولفت القوصي إلى أن التصريحات الأخيرة عن المتحف المصري الكبير تحمل إساءة لتاريخ مصر العريق وتعبّر عن فكر يرى في بعض الرموز الحضارية جزءاً من عقيدة منغلقة. فهو أشار إلى أن القول بأن زيارة المتحف هي تعظيم للكفر وأهله ينعكس على صورة الدولة وتاريخها أمام العالم، ويضعف الرسالة التي يجب أن تقدمها المؤسسات الدينية تجاه الهوية الوطنية لدى المواطنين. كما أكد أن هذه التصريحات لا تعكس روح الحرية الفكرية أو الانفتاح العلمي الذي ينبغي أن تسعى إليه الدعوات الدينية المعاصرة، بل تعكس منظوراً لا يقبل بالتعدد والتسامح الثقافي ويفتقر إلى الاحترام لتاريخ المصريين القدماء كجزء من التاريخ الوطني. وهذا النوع من الخطاب، وفق القوصي، يخلق فاصلًا بين الدين والتاريخ ويهدم جسور التفاهم بين مكونات المجتمع التي تقف على فكرة الوحدة الوطنية والتعايش.
ظلمات بعضها فوق بعض: قراءة في خطاب المتشددين
كما شدد القوصي على أن ما يصدر عن العدوي من فتاوى يندرج في إطار «ظلمات بعضها فوق بعض»، وهو تعبير يؤكد أن المسألة ليست مجرد اختلاف فقهي، بل أزمة وعي وتصور للمسألة الدينية في المجتمع. فحسب رأيه، تفتقد هذه الأفكار إلى فهم المقاصد الشرعية وتفتقر إلى تطبيق صحيح للعلوم الشرعية، وتستخدم نصوصاً دينية بشكل انتقائي لتبرير مواقف قد تكون بعيدة عن مقاصد الشريعة. وهذا الخلل في التفسير، يضيف القوصي، يؤدي إلى توجيه جمهور المؤمنين نحو مسارات قد تؤدي إلى إرباك المجتمع وتوتير العلاقات بين مختلف فئاته. وفي ضوء ذلك، يرى المقابلون أن هناك حاجة ملحة لتوفير أدوات علمية وفكرية تستطيع فرز الحجة الصحيحة من الأفكار المتطرفة، وتقديم بدائل تعتمد على العلم والوعي والبحث الشرعي الرصين.
نداء إلى المؤسسات الدينية: مواجهة خطاب التطرف بالفكر
من منظور القوصي، فإن التصدي لهذا النوع من الخطاب المتشدد يتطلب عملاً مؤسسياً منظماً في المؤسسات الدينية. يدعو إلى استخدام الفكر والعلم كوسيلتين فاعلتين لتفنيد الادعاءات المغلوطة وتقديم قراءة منضبطة للمقاصد الشرعية، بعيداً عن الانغلاق والتفسير الأحادي. يربط ذلك بالحاجة إلى وعي جماعي يميز بين النص الديني وروح التماسك الاجتماعي وقيم التسامح واحترام التنوع. كما يرى أن التعاون بين رجال الدين والمتخصصين في العلوم الاجتماعية والاقتصاد والعلوم الشرعية يمكن أن يسهم في وضع خطوط دنياً وجوامع مفاهيم تضمن حماية المجتمع من تأثير الخطاب المتطرف، وتساعد في تعزيز الثقة العامة بمؤسسات الدولة ومرجعياتها الدينية.
أثر القبول الجماعي والوعي الديني في حماية المجتمع
وعلى صعيد البناء المجتمعي، يشدد القوصي على أن الوعي الديني المعاصر يجب أن يحافظ على قيم الاحترام المتبادل والمسؤولية الاجتماعية. فالدين ليس مرشحاً لإقصاء الآخر أو لاستهداف المؤسسات الوطنية بجهود فئوية، بل هو وبحسبه رافعة للأمن والاستقرار حين يُفهم ويُمارس بشكل صحيح. وفي هذه الرؤية، يتبدى الجمع بين العلم والالتزام الشرعي كأداة تفضي إلى تقويم الخطاب، وتقديم بدائل بناءة للنمو الروحي والاجتماعي بعيداً عن الاستقطاب والتجاذب الذي يسبق أزمات الثقة والهوية. وبناءً على ذلك، يرى القوصي أن الوقاية من تفاقم خطاب التطرف تبدأ من تعزير التعليم الشرعي المستند إلى المقاصد، وتطوير آليات إعلامية تتيح للجمهور فهماً واضحاً لمضامين النصوص الإسلامية وتطبيقاتها المعاصرة في ظل قيم العدل والإنسانية.
المحصلة: رسالة تحذير ودعوة للانفتاح العلمي
في قراءة مركبة للموقف، يقدم القوصي رسالة تحذير من مخاطر خطاب يتسم بتضخيم القضايا الدينية وتوظيفها في سرديات تتقاطع مع الأمن الوطني وتاريخ الأمة. كما يدعو إلى إطار معرفي يدمج الفكر الشرعي مع العلم الحديث، وإلى مؤسسات دينية تتحمل مسؤوليتها في مواجهة التطرف بالفكر والوعي العام. ما يهم هنا هو فهم أن الدين وفق قراءة القوصي ليس ساحةً للخصام بل مساحة لبناء المجتمع وصون تاريخ الأمة. ولعل ذلك يفتح باباً لتأمل كيفية تفاعل المجتمع مع قضايا حساسة كالأمن والقيم الوطنية والتاريخ المشترك، بما يعزز الوحدة وينأى بها عن مقولات التقسيم والانغلاق.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.















































































































