كتب: كريم همام
أكد السفير أحمد رشيد خطابي، الأمين العام المساعد رئيس قطاع الإعلام والاتصال في الجامعة العربية، أن التكنولوجيات السمعية-البصرية تمثل أداة حيوية لتعزيز التعاون بين الفضاء العربي وجمهورية الصين الشعبية، مع الانفتاح على التجربة الصينية المتطورة في تأهيل القدرات المهنية وتوظيف الاستخدامات الرقمية لإضفاء دينامية أوسع على هذا التعاون. جاء هذا التأكيد في الكلمة التي ألقاها خلال الجلسة الرئيسية لدورة السابعة من ملتقى التعاون العربي-الصيني في مجال الإذاعة والتلفزيون، والذي عقد في مدينة تشونغتشينغ بجمهورية الصين الشعبية.
وشد خطابي على أن شبكات الإعلام المسموع والمرئي تشكل عامل تمكين رئيسياً لصورة السلام والتقارب والتواصل بين الشعوب، مع مراعاة الخصوصيات الذاتية والسيادية الوطنية. كما عبَّر عن امتنان الجامعة العربية لحسن التنظيمي العالي لهذه الدورة، التي تقيم في تشونغتشينغ نموذجاً رائداً في مسيرة النهضة الصينية ورمزية خاصة في إطار مبادرة الحزام والطريق، وهي مبادرة ذات عمق استراتيجي وتحمل جذوراً تاريخية وحضارية وإنسانية عميقة. وأشار إلى أن انعقاد هذه الدورة تحت شعار “تبادل الحضارات العربية والصينية والابتكار السمعي-البصري لكسب المشترك” يعكس بوضوح أهمية البعد الإعلامي في العلاقات التشاركية التي تلتزم بمبادئ التوجيه التي تقودها الرؤية العربية لهذه الشراكة. فالمنتدى العربي-الصيني كما يراه المجتمع العربي يفتح آفاق جديدة لحوار والتعاون بين طرفين يملكان إمكانات معرفية وتقنية كبيرة، ويستطيعان تقديم إضافة بناءة في مجالي الإذاعة والتلفزيون والرقمنة المرتبطة بهما.
وفي سياق حديثه، أشاد بالدور الذي تقوم به المبادرات التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ، ومنها قيم الحضارة العالمية القادرة على احترام التنوع والتعايش السلمي واحترام الحوكمة الدولية، وذلك في إطار حوار دولي يهدف إلى إنهاء بؤر التوترات لاستشراف مستقبل أكثر أمناً لإنسانية. وأكد أيضاً على أن المواقف الصينية الداعمة لقضية الفلسطينية في ظل تداعيات الحرب على قطاع غزة والاعتداءات المستفزة على مدن الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية تعبر عن التزام بالصناعة المستدامة لسلام، وتؤكّد أن العمل المشترك من أجل إقامة حل عادل وشامل يلامس قرات الشرعية الدولية يمثل خياراً واقعياً لمستقبل يتسع لتحديث والتنمية الشاملة في المنطقة.
كما لفت الخطابي إلى أن انعقاد الدورة في هذا التوقيت يعكس إرادة قوية لنهوض بالتعاون السمعي-البصري وتأكيداً على أن التبادل في مجالات تكنولوجية مثل الاتصال والابتكار والذكاء الاصطناعي والشبكات السيبرانية يفتح أبواب أوسع أمام تفاهم مشترك. وهذا التوجه، بحسب قوله، من شأنه أن يسهم في وضع أخلاقيات وضوابط لمجمل منظومة الإعلام العالمي بشكل يساعد بلدان الجنوب في مسارها نحو التحديث والتنمية الشاملة، مع الحفاظ على التوازن بين مُنجزات التقنية وحماية القيم الإنسانية.
وفي ختام كلمته، أكد خطابي أهمية متابعة التنفيذ الأمثل لمذكرة التفاهم الموقعة بين الجامعة العربية والهيئة الوطنية الصينية لإذاعة والتلفزيون في ديسمبر 2023 بمدينة هانغتشو. وتضمّن ذلك تعزيز التغطية الإعلامية المتبادلة وتبادل الأخبار والمعلومات، إضافة إلى الإنتاج التلفزيوني المشترك لبرامج وثائقيات تَعرِض مختلف جوانب العلاقات العربية-الصينية. كما شد على تنظيم الدورات التدريبية ورش العمل المهنية، مع الاستفادة من الخبرات الإعلامية والرقمية المتاحة، والحرص على تطبيق ضوابط أخلاقية ومبدئية متوازنة تراعي خصوصية الدول المشاركة وتحديات بلدان الجنوب في عالم يتجه سريعاً نحو التحول الرقمي.
أهمية التكنولوجيات السمعية-البصرية في تعزيز التعاون
تؤكد الرسالة الأساسية لقاء أن التكنولوجيات السمعية-البصرية ليست مجرد أدوات بث، بل منصات لتبادل المعارف وتوثيق الروابط بين الدول. فالإعلام المسموع والمرئي يتيح إمكانية توظيف القص والصور في بناء فهم مشترك يحترم اختلاف الثقافات، ويعز قدرات التعاون بين الشركاء بما يواكب التطورات التقنية في صناعة المحتوى والمتابعة الصحفية. وتظهر هذه التكنولوجيات كجسر يربط بين الاستديوهات العربية ونظيرتها الصينية عبر قنوات مشتركة لمحتوى التوثيقي والتعليم المهني والتبادل التقني. وفي سياق العمل المستمر، تحول هذه المنصات إلى فضاء حيوي لحوارات التي تضع الإنسان كهدف مركزي وتؤمن نقل المعرفة بشكل أمثل وشفاف ينسجم مع قيم السلام والتعاون.
كما تبرز أهمية هذه التكنولوجيات في حماية الهوية الثقافية لأقطار وتحليل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية من خلال محتوى إعلامي علمي ومهني. فالتقنيات السمعية-البصرية تيح رصد التطورات في مجالات الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي وتطوير البرمجيات التي تدعم عمليات التحليل والنشر والتوزيع. وهذه الإمكانات تيح لدول المشاركة تعزيز التعليم الإعلامي وتبادل الخبرات في صناعة المحتوى، وإعداد جيل قادر على التفاعل مع التحولات التقنية بسرعة وفعالية، وهو ما يفيد في بناء شبكة تعاون إعلامي طويل الأمد يسبق الحواجز الثقافية والسياسية.
وتؤدي هذه التكنولوجيات دوراً ترويجياً مهماً لسلام والتقارب، إذ تسمح بعرض نماذج من الثقافة العربية والصينية بطريقة تُبرز قيم مشتركة وتفُسِر اختلافات الشعوب بشكل بنّاء. وهي أيضاً أداة لبناء ثقافة سلام تعتمد على الحوار واحترام التنوع، مع مراعاة القضايا السيادية والخصوصيات الوطنية لكل دولة. وفي المحصلة، تمثل التكنولوجيات السمعية-البصرية دعامة عملية لتعزيز العلاقات التشاركية بين العالم العربي والصين في فضاء إعلامي يتسع باستمرار.
التجربة الصينية في تأهيل القدرات والاستخدام الرقمي
تؤكد تصريحات المسئولين العرب أهمية الاستفادة من التجربة الصينية في مجال تأهيل القدرات المهنية وتوظيف الاستخدامات الرقمية. فالصين، من خلال هذا النهج، تسعى إلى فتح أبواب أوسع أمام خبرات مؤسات الإعلام والاتصال، وتوفير فرص التدريب والتأهيل لأفراد والفرق العربية التي تعمل في قطاع الإذاعة والتلفزيون وتطوير المحتوى الرقمي. ويتجاوز ذلك مجرد نقل تقنيات إلى إقامة بيئة تعلم مستمرة تجمع بين المعارف النظرية والتطبيقات العملية، بما يواكب التحولات الرقمية السريعة ويعز الكفاءة المهنية لكوادر الإعلامية في الدول العربية.
وفي هذا السياق، يبرز دور الشراكات الدولية في تطوير المعرفة والقدرات البشرية، بما في ذلك التفاعل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي والشبكات السيبرانية وأمن المعلومات. فالابتكار والتحديث في هذه المجالات لا يتعارض مع الحفاظ على القيم الأخلاقية والمعاير المهنية، بل يعز من قدرة المؤسات الإعلامية على تقديم محتوى دقيق ومسؤول يلبّي احتياجات المشاهد العربي ويسهم في بناء فهم مشترك مع الجمهور الصيني. كما أن التعاون في مجال التدريب وتبادل الخبرات يسهم في رفع جودة الإنتاج الإعلامي المشترك، وتطوير لغات وأساليب جديدة لإنتاج المحتوى السمعي-البصري تواكب معاير العصر وتطلعات الشعوب.
إضافة إلى ذلك، فإن التطورات الرقمية تسهم في توسيع نطاق التغطية الإعلامية عبر منصات متعدة وتسهيل وصول المحتوى إلى جمهور أوسع. وهذا يحتم على الشركاء وضع آليات واضحة لتحكم في جودة المحتوى وتقديم الرسالة الإعلامية بشكل مهني يحق الشفافية والموضوعية، ويعز الثقة المتبادلة بين المؤسات الإعلامية العربية والصينية. كما يفتح هذا المسار آفاق جديدة من التعاون البحثي وتبادل البيانات والتوثيق المشترك لمواضيع الحيوية التي تهم الجمهورين العربي والصيني، ما يعز من مستوى التفاهم والتقارب بين الشعوب على نحو مستدام.
تبادل الحضارات العربية والصينية والابتكار السمعي-البصري لكسب المشترك
يتزايد إدراك العالم بأن التبادل الحضاري بين العرب والصين يمكن أن يتحول إلى نموذج ناجح لشراكة الإعلامية والابتكارية. فالشعار الذي اختير لهذه الدورة يعكس الرغبة في بناء جسور فهم وتعاون تحق من خلال التفاعل الإيجابي بين الحضارتين، وتوظيف التكنولوجيات السمعية-البصرية في خدمة حوارٍ بنّاء يحق مكاسب مشتركة. وفي هذا الإطار، يبدو واضحاً أن العمل الإعلامي التعاوني يتجاوز التبادل النظري إلى تطبيقات عملية تعلق بالإنتاج والتوزيع والتحديث في مجالات الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي والحوكمة الرقمية. وهذا يقود إلى رؤى ملموسة حول كيفية تحقيق التوازن بين التطور التكنولوجي والتزام بالقيم الإنسانية والحقوق المتفق عليها، بما يخدم استدامة العلاقات الثنائية ويعز مكانة الفضاء الإعلامي العربي في العالم.
مدينة تشونغتشينغ ومبادرة الحزام والطريق
لقد أضفت مدينة تشونغتشينغ الصينية، بمكانتها الرمزية في مسيرة النهضة الصينية، عمقاً خاصاً لدورة الحالية. فقد استقطبت هذه المدينة أهمية مبادرة الحزام والطريق، التي ترى فيها الدول العربية والتعاون الدولي إطاراً يتيح تعزيز الروابط الاقتصادية والثقافية وتبادل الخبرات في مجال الإعلام والاتصال. والمشاركة العربية في الدورة تحتفي بالنهج الذي يحافظ على الشراكات الاستراتيجية ويُبرز إمكانات التنمية والتحديث في العالم العربي، مع التزام بمبادئ التعاون والتوازن وتبادل المصالح. وتستند هذه الدينامية إلى نظرة تجمع بين الاستفادة من النفاذ الرقمي والتعاون الإعلامي المشترك، بما يجعل من الحزام والطريق جسراً عملياً لتواصل والتبادل الإعلامي والثقافي الذي يخدم مصالح الطرفين على حد سواء.
الدور الدولي في دعم السلام واستقرار الشرق الأوسط
أشار الخطابي إلى أن الحرص على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط يأتي في صميم العلاقات العربية-الصينية. فالموقف الصيني الداعم لقضية الفلسطينية، في ظل تداعيات الحرب في غزة والاعتداءات على مدن الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، يبرز التزاماً باحترام الحقوق والسعي إلى حلول عادلة وشاملة. وفي هذا السياق، ترى الجامعة العربية أن التزام الدولي والإقليمي بتعزيز مسارات السلام يؤثر إيجاباً في مناخ التعاون الإعلامي والاقتصادي، ويمكّن من بناء بيئة تسمح بتبادل الخبرات وتطوير تقنيات الإعلام بشكل يخف التوترات ويحفظ الاستقرار الإقليمي. كما يؤكد هذا التوجه أهمية أن تكون الشراكات الإعلامية العالمية متوافقة مع قرات الشرعية الدولية ومبادئ العدالة، وتدعم فرص التنمية المستدامة في المنطقة وتفتح آفاق جديدة لتحديث وسط تحديات جيو-سياسية معقدة.
التعاون المستقبلي والتدريب وتبادل الأخبار
تؤكد كل إشراقة جديدة من العلاقات العربية-الصينية أن التعاون يجب أن يتوسع ليشمل مجالات أوسع من التدريب وتبادل الخبرات. وفي إطار مذكرة التفاهم الموقعة في ديسمبر 2023، والتي جرت فعالياتها في هانغتشو، يتوقع أن تشهد التغطية الإعلامية المتبادلة وتبادل الأخبار والمعلومات وتطوير الإنتاج التلفزيوني المشترك نمواً مستداماً. وتبرز أيضًا أهمية تنظيم الدورات التدريبية ورش العمل المهنية، كمنصة لخبرات المتراكمة من خلال التعاون بين الجامعة العربية والهيئة الوطنية الصينية لإذاعة والتلفزيون. كما يظل التعاون مفتوحاً لتوسيع آفاقه في مجالات تكنولوجيات الاتصال والابتكار والذكاء الاصطناعي والشبكات السبرانية، من أجل بناء منظومة إعلامية عالمية أكثر توازناً وتماشياً مع احتياجات الدول النامية وتطلعاتها إلى تحديث شامل ومتكامل. وفي هذا السياق، يشد الطرفان على الاستفادة من خبرات الإعلام الرقمي والمهارات المهنية وتطوير المعاير الأخلاقية والضوابط المهنية التي تراعي خصوصيات الدول وتحديات بلدان الجنوب في مرحلة التحول الرقمي التي نعيشها اليوم.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.















































































































