كتبت: إسراء الشامي
في ثاني أيام المنتدى العربي للأرض والمناخ المنعقد في شرم الشيخ، جرى تناول موضوع الاقتصاد الأزرق كإطار حيوي لتوجيه السياسات العامة وتخفيف أثر التغير المناخي في الدول المتشاطئة. دعت الجلسات إلى تأسيس صندوق إقليمي للعمل المناخي يعزّز التمويل ويعزز تنفيذ برامج التخفيف والتكيف، بما يتيح للدول العربية مواجهة التحديات المرتبطة بالمسطحات البحرية وتحويل الفرص إلى مشاريع واقعية تعود بالنفع على السكان والاقتصادات الساحلية على حد سواء. وتأكيداً على أهمية العمل المدني كرافد تنموي، شددت الدكتورة هدي البكر، المديرة التنفيذية للشبكة العربية للمنظمات الأهلية، على ضرورة خروج المنتدى بقرارات وسياسات قابلة للتطبيق من جانب الدول المعنية. وذكّرت بأن طول السواحل العربية يصل إلى نحو 24 ألف كيلومتر، وأن المناطق الساحلية تضم نحو أربعين في المئة من سكان العالم العربي، وهو ما يجعل تعزيز العمل المناخي في هذا المجال أمراً ضرورياً واستراتيجياً. كما أكدت البكر أن منظمات المجتمع المدني تشكل شريكاً رئيسياً في التنمية والدفاع عن المصلحة العامة، مشيرة إلى أن تأسيس صندوق إقليمي للعمل المناخي بات ضرورة ملحة لحشد التمويل وتنفيذ برامج التخفيف من أضرار التغيرات المناخية، بدءاً من التصحر وصولاً إلى حماية الموارد البحرية، مع توضيح آليات وصول المستحقين إلى التمويل والانتقال من النقاشات إلى خطوات فعلية ملموسة.
دعوة لتأسيس صندوق إقليمي للعمل المناخي
تُوجت المناقشات في المنتدى بإطار عمل واضح يركز على بناء صندوق إقليمي ينسق بين الدول العربية بشأن العمل المناخي في المناطق البحرية المشتركة. يهدف هذا الصندوق إلى تعبئة الموارد وتوجيهها نحو مشاريع التخفيف من آثار التغير المناخي والتكيف مع تحدياته في المناطق الساحلية والبحرية، وهو ما يتيح تمكين المجتمعات المحلية من مواجهة آثار العواصف والتصحر والفيضانات والتلوث البحري. كما جرى التأكيد على أهمية توفير آليات شفافة للوصول إلى التمويل وتسهيل عمليات التنفيذ، إضافة إلى وضع سياسات عامة موحدة للدول المشتركة في المسطحات البحرية، بما يضمن التكامل والتنسيق والقدرة على الاستجابة السريعة للأزمات. وتعتبر هذه الخطة جزءاً من رؤية أوسع لتعزيز الاستدامة البيئية والاقتصادية في العالم العربي، مع الحفاظ على الموارد البحرية والنوارد البشرية التي ترتبط بها.
أبعاد الاقتصاد الأزرق في المنطقة العربية
ركزت الجلسات على أن الاقتصاد الأزرق ليس مجرد قطاع اقتصادي بحد ذاته، وإنما إطار شامل يدمج الحماية البيئية مع التنمية الاقتصادية. وتطرق المجتمعون إلى أهمية وجود سواحل طويلة وإلى أن نحو أربعين في المئة من سكان العالم العربي يعيشون في المناطق الساحلية، وهو ما يجعل الاستجابة للمخاطر المرتبطة بالمياه والشواطئ أمراً حاسماً. وتناولوا كذلك أن هناك تنامياً محتماً في الاعتماد على الموارد البحرية، مع الإقرار بأن التطوير الاقتصادي في المنطقة يتطلب سياسات موحدة وإطاراً تشريعياً يعزز الشفافية والحوكمة في قطاع البحر. كما أشاروا إلى أن التحديات المرتبطة بالاقتصاد الأزرق تستلزم وجود أطر تمويلية مرنة تتيح للمجتمعات المحلية الوصول إلى التمويل المخصص لمشروعات حماية البيئة وتحسين الأمن الغذائي البحري.
التحديات والسبل التمويلية في الاقتصاد الأزرق
تأكيداً على أن النقاشات النظرية لا تكفي، شددت المداخلات على ضرورة ترجمة النقاشات إلى أطر عمل قابلة للتنفيذ على أرض الواقع. وأبرزت النقاشات ضرورة وجود صندوق إقليمي قادر على تعبئة الموارد اللازمة ومساعدة الدول العربية في تنفيذ برامج التخفيف والتكيف مع تغيُّر المناخ. كما أكدت على أن التحول من الاعتماد على السياسات المحلّية إلى سياسات موحدة في الدول المشتركة في المسطحات البحرية يتطلب توافقاً سياسياً وتبني آليات تمويل جديدة تتيح الوصول للمستحقين بشكل أسرع وأكثر عدلاً. وتطرق المشاركون إلى موضوع التصحر كأحد أبرز التحديات التي تهدد الموارد البحرية وتؤثر في استدامة السواحل، مؤكدين أن حماية هذه الموارد تتطلب استثمارات في الرصد والبحث وتطوير السياسات.
ممارسات الاقتصاد الأزرق وتجارب المنطقة
عرض الدكتور صقر النور، مدير البرامج في شبكة “تنمو”، مفهوماً وممارسات الاقتصاد الأزرق في سياق المنطقة. أوضح أن المفهوم يتجاوز مجرد استغلال الموارد البحرية ليندمج مع بناء مجتمعات بحرية مستدامة تعتمد على معرفة علمية وتكنولوجية. وفي هذا السياق أشار إلى أن مصر تعتمد بشكل كبير على المزارع السمكية لإنتاج جزء من استهلاكها السمكي، حيث تقدر نسبة الاعتماد من المزارع السمكية بنحو سبعين في المئة، مقارنة بالصيد الطبيعي، وهو ما يثير أسئلة مهمة حول الإعادة توزيع المصادر وأثر ذلك في المجتمعات المحلية وتحدياتها. يسلط هذا الواقع الضوء على ضرورة تعزيز المعرفة المحلية وفتح قنوات للتعاون مع خبراء في قطاع الثروة السمكية والبحار، وتطوير حلول تضمن مشاركة السكان المحليين في إدارة الموارد واستخدامها بشكل مستدام.
تحذيرات علمية حول التغيرات البحرية في مصر
بينت النقاشات أيضاً وجود مخاطر تتعلق بتغيرات البحيرات المحلية في مصر وتزايد سرعتها، وهو ما يعوق قدرة الباحثين على متابعة التطورات وتوليد المعرفة اللازمة لتحديد الإجراءات المناسبة. أوضح الدكتور أحمد العدوي، الباحث في الوكالة اليابانية لعلوم البحار JAMSTEC، أن هذه التغيرات سريعة للغاية، ما يستلزم تعزيز القدرة البحثية والتنموية وتحديث المنهجيات المعرفية باستمرار. كما أشار إلى أن الدول الشمالية في العالم لا تزال تشكل المصدر الرئيسي للإنتاج المعرفي لحالات الدراسة المهمة في أفريقيا والعالم العربي، وهو ما يفتح باباً لمزيد من التعاون الدولي وتبادل المعارف من أجل بناء قدرات محلية أقوى في مجال علوم البحار والبيئة البحرية.
رؤية الخليج وأنظمة الرصد القائمة على الأدلة
سلطت الدكتورة حياة الحريري، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة دياليكتيك، الضوء على وضع منطقة الخليج وتحديداً حاجتها إلى أنظمة رصد بيئي واقتصادي دقيقة ومتكاملة تدعم اتخاذ القرارات المستندة إلى الأدلة. أكدت الحريري أن هذه الأنظمة يجب أن تكون مرتبطة ببرامج تعليم وتدريب مهنية وأكاديمية لتخريج كوادر وطنية متخصصة في علوم البحار والتكنولوجيا الحيوية البحرية، وذلك من أجل تعزيز القدرات الوطنية وتوفير الكوادر اللازمة لإدارة الموارد البحرية بصورة علمية وفعالة. كما أشارت إلى أن التمويل الحكومي يشكل جزءاً كبيراً من مشاريع الرصد في المنطقة، وهو ما يجعل هناك دوراً واضحاً للسياسات العامة في تعزيز الاستثمارات وتشجيع الشراكات بين القطاعات العامة والخاص والمنظمات غير الحكومية. وتناولت التوجيهات المقترحة في الخليج كنماذج يمكن الاستفادة منها في البلدان العربية المطلة على مسطحات بحرية مشتركة، بما يضمن اتساقاً في الرصد والشفافية في التقارير وتبني أفضل الممارسات في مجال الرصد البيئي والاقتصادي.
التعليم والتدريب لبناء كوادر بحرية وطنية
خُتمت النقاشات بنداء واضح لتطوير برامج تعليم مهنية وأكاديمية تهدف إلى تخريج كوادر وطنية متخصصة في علوم البحار والتكنولوجيا الحيوية البحرية، مع تعزيز قدرات البحث والتطوير في القطاعين العام والخاص. وأكّد المشاركون أن التمويل الحكومي في مشاريع الرصد يلعب دوراً رئيسياً، لكن من الضروري إشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص والمنظمات الدولية في دعم برامج التكوين وتطوير المصادر البشرية. كما أشاروا إلى ضرورة وضع استراتيجيات وطنية وإقليمية تعزز الاستثمار في البحث العلمي وتطوير تقنيات جديدة تسمح بمراقبة المحيطات والبحيرات وتقييم المخاطر بسرعة وفعالية، بما يحقق مردوداً اقتصادياً واجتماعياً أوسع في المنطقة.
تواصلت المبادرات خلال المنتدى مع دعوات لتقوية التعاون الإقليمي وتبادل المعرفة والموارد، من أجل تحويل الاقتصاد الأزرق إلى واقع مستدام يعود بالنفع على شعوب الدول العربية. وتؤكد هذه اللقاءات أن النجاح في مواجهة التحديات المرتبطة بالتغير المناخي والبحار يتطلب نهجاً عملياً يدمج السياسات العامة مع العمل المدني والتعاون الدولي، إضافة إلى بناء قدرات محلية قوية في مجالات علوم البحار والتكنولوجيا الحيوية البحرية وتطوير قطاعات اقتصادية بحرية أكثر استدامة. إن الإصلاحات المقترحة وتأسيس صندوق إقليمي يشكلان خطوة عملية نحو تنفيذ استراتيجيات ملموسة تعزز من أمن البحر والموارد البحرية وتدعم التنمية المستدامة في المنطقة.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.











































































































