كتب: أحمد عبد السلام
يناقش المنتدى العربي للأرض والمناخ في شرم الشيخ، خلال ثاني أيام فعالياته، واقع الاقتصاد الأزرق في المنطقة العربية والسبل الكفيلة بتحويل تحدياته إلى فرص واقعية. جاءت الجلسة الخامسة من اليوم الثاني تحت عنوان تحديات وفرص الاقتصاد الأزرق في المنطقة العربية، بمشاركة معنيين بالبحث والتطبيق؛ حيث مثلت ورقة العمل والحوارات جملة من الأفكار التي تربط بين الجانب التنموي والبعد البيئي في ميدان المحيطات والسواحل. تعاقب على المنصة صقر النور، مدير البرامج في شبكة “تنمو”، والدكتورة حياة الحريري، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لمؤسسة دياليكتيك، إضافة إلى أحمد العدوي، الباحث في الوكالة اليابانية لعلوم البحار JAMSTEC. كما أكدت هدى البكر، المدير التنفيذي للشبكة العربية للمنظمات الأهلية، أن التوجه المقبل يجب أن يتجه من نقاشات المنتدى إلى سياسات عامة للدول العربية المشتركة في مسطحاتها البحرية. وتضيف البكر أن طول السواحل العربية يصل إلى 24 ألف كيلومتر، وأن نحو 40% من سكان العالم العربي يعيشون في المناطق الساحلية، وهو ما يجعل اقتصاد البحر والبيئة جزءاً لا يتجزأ من الأمن والاقتصاد والتنمية. كما أشارت إلى أن منظمات المجتمع المدني تشكل شريكاً أساسياً في المسار التنموي، وتلعب دوراً فاعلاً في الدفاع عن المصلحة العامة وفئات المجتمع المهمشة، وتقوم بتوعية المواطنين وإيصال أصواتهم للمطالبة بالحفاظ على البيئة في ظل انعكاسات التغير المناخي وتداعياته اليومية. وفي سياق التطلعات العملية، دعت البكر إلى إقامة صندوق عمل مناخي في المنطقة العربية، يمكنه حشد الموارد والجهات القادرة على تمويل مشروعات التخفيف من أضرار التغيرات المناخية، وتسهيل وصول المستفيدين إلى مصادر التمويل. وتؤكد أن المنتدى يمتلك كوادر وخبرات يمكن أن تسهم في تهيئة بيئة تمويلية مستدامة، بما يمكّن الجهات المعنية من تنفيذ برامج حقيقية وليس مجرد نقاشات نظرية. تتجه الصورة إلى خطوات فعلية لمواجهة التحديات المناخية، بدءاً من التصحر والاقتصاد الأخضر وحماية الموارد البحرية والحياة البرية، خصوصاً في ظل ارتفاع الوعي بالمسألة البيئية وتزايد الاهتمام الدولي بالشأن العربي.
أبعاد الاقتصاد الأزرق في المنطقة العربية
ترسخ في وقائع الجلسة فهم أن الاقتصاد الأزرق ليس مجرد مفهوم نظرية بل منظومة تتعلق بتوظيف الموارد البحرية من أجل التنمية المستدامة. وتؤكد مداخلات المشاركين أن مسار الاقتصاد الأزرق يجب أن يتسم بالشفافية والرقابة والالتزام بالمعايير البيئية، بما يضمن حماية الموارد البحرية كعنصر حيوي في الاقتصاد الوطني. وتوضح النقاشات أن السواحل العربية الطويلة تمثل رصيداً اقتصادياً وبيئياً يجب استثمار عهده بحذر، مع مراعاة تأثيرات التغير المناخي على التنوع الحيوي والأنشطة البشرية المرتبطة بالبحر. كما بينت الملاحظات أن التحديات ليست محلية فقط، بل تتطلب توافر آليات تعاون إقليمي ووجود سياسات مشتركة تعزز الاستقرار الاقتصادي وتحمي معيشة السكان الساحليين. وتؤكد الإشارة إلى أن مستويات المخاطر المناخية تتطلب تكاملاً بين البحث العلمي والتطبيق الميداني، ليس فقط من أجل الإنتاج وإنما لرفع مستوى الوعي بالمسؤولية الاجتماعية تجاه الطبيعة البحرية. كما لفتت العروض إلى ضرورة تنمية أنماط جديدة للإنتاج تعتمد على اقتصاد أزرق قائم على الاستدامة والابتكار التقني، مع الالتزام بالمعايير الدولية حتى يتمكن العالم العربي من الاستفادة من أسواق عالمية تتطلب شفافية عالية وتقييمات دقيقة للمخرجات البيئية.
دور المجتمع المدني وآليات التمويل المناخي
تشدد مداخلات الجلسة على أن المجتمع المدني ليس طرفاً غير فاعل، وإنما شريك رئيس في قيادة التحول الدائم نحو سياسات بيئية واقتصادية مستدامة. وتؤكد أن منظماته تلعب دور الجسر بين المواطنين والدولة، وتساهم في رفع الوعي الاجتماعي بمخاطر التغير المناخي وآثاره على الحياة اليومية. وتوضح أن الدعم العام وحده لا يكفي، بل يحتاج إلى آليات تمويل مناخي فعالة تتوافر فيها الشفافية والحوكمة. وفي هذا الإطار يبرز الحديث عن إنشاء صندوق للعمل المناخي في المنطقة العربية كإطار تمويل يربط بين الجهات الممولة والبرامج الواقعية التي تستهدف التخفيف من آثار التغيرات المناخية. كما يؤكد النقاش أن الوصول إلى التمويل ليس أمراً بسيطاً دائماً، بل يحتاج إلى تيسير الإجراءات وتبسيط شروط التقديم ودعم المستهدفين بالمعرفة والقدرة على استدامة المشروعات. وتبرز الخلاصة أن المنتدى يحاول نقل الحوار من مساحة الأفكار إلى مساحة الإجراءات الملموسة، بما يتيح تطبيق برامج تدريبية ومناهج تعليمية تعزز القدرات المحلية وتفتح آفاق جديدة أمام المشاركة المجتمعية في قضايا الأرض والمناخ. كما يرى المشاركون في أنظمة الرصد والتقييم دوراً حيوياً في قياس أثر الجهود المشتركة، وضرورة وجود كادر قائم من المتخصصين في علوم البحار والتكنولوجيا الحيوية البحرية لقيادة المشاريع وتقييم النتائج بشكل واقعي.
إمكانات التمويل وتحدياته في المنطقة العربية
تسلط الإشارات إلى أن هناك عقبات تواجه المستحقين للتمويل وتؤخر وصولهم إلى المصادر المالية اللازمة لتنفيذ برامج التخفيف والتأقلم مع التغير المناخي. ويرى القائمون على الجلسة أن المنتدى يمكن أن يسهم في تخطي هذه العقبات من خلال توفير مسارات أكثر وضوحاً وآليات تواصل مع الجهات المانحة، وتقديم نماذج ناجحة يمكن الاسترشاد بها لتسريع إجراءات التمويل وتسهيل الوصول إلى الموارد. وتؤكد الروح التحليلية للمشاركين أن التمويل ليس غاية بحد ذاته، بل أداة عابرة للغايات التنموية، ويستلزم وجود خطط واضحة ومقاييس قياس فعالة لضمان تحقيق الأثر المرجو. كما يشير النقاش إلى أن تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة يتطلب وجود سياسات وطنية موحدة وتنسيق بين الدول العربية في ما يخص الموارد الساحلية والبحرية، والتأكد من أن التمويل يذهب إلى مشاريع ملموسة ذات أثر مباشر على السكان المحليين والفئات المهمشة.
رؤية علمية وتطبيقية لمفهوم الاقتصاد الأزرق
استعرض الدكتور صقر النور، مدير البرامج في شبكة “تنمو”، ورقة بحثية تركزت حول مفهوم الاقتصاد الأزرق وممارساته من خلال إشراك فاعلين حقيقيين مثل الصيادين ورؤية المجتمع الأكاديمي. تؤكد الورقة أن فهم التحولات المرتبطة بالتغيرات المناخية يتطلب مقاربة تشاركية تجمع بين المكونات الاجتماعية والبحث العلمي والتطبيق العملي. وتضيف أن الفكرة المحورية في الاقتصاد الأزرق هي ربط الموارد البحرية بإنتاج يحافظ على البيئة ويعزز من مستوى المعيشة. كما يشير الدكتور النور إلى أن مصر تعتمد بشكل رئيسي على المزارع السمكية في إنتاجها السمكي، حيث تقارب نسب الإنتاج من المزارع 70% من الاستهلاك الكلي، وهو ما يفتح نقاشاً حول مفهوم الاقتصاد الأزرق وهل يقتصر على الاصطياد أم يمكن توسيعه ليشمل مصادر إنتاج أخرى مستدامة. وتؤكد المساهمة أن هذا المسار يحتاج إلى رصد وإدارة مشتركة وتطوير أدوات علمية وتكنولوجية تتيح تحسين الإنتاج وتخفيض الأضرار البيئية المرتبطة بالنشاطات البحرية.
التغيرات المناخية وتأثيرها على البشر والموارد في مصر
يطرح الحديث مسألة التغيرات المناخية بسرعة كبيرة في بيئة البحيرات والمناطق المائية في مصر، وهو موضوع يزداد إلحاحاً مع تزايد الحاجة إلى معرفة دقيقة وتحديث مستمر للمعلومات. يشير أحمد العدوي، الباحث في JAMSTEC، إلى أن وتائر التغيرات في البحيرات تتحرك بمعدل سريع للغاية، وأن المجتمع البحثي يعاني من صعوبات في مواكبة هذه التغيرات المعرفية والإنتاجية. كما يلاحظ أن دول الشمال العالمي هي من تصدر إنتاجاً معرفياً في إطار الدراسات المرتبطة بالتغيرات المناخية والبيئية في العالم العربي، وهو ما يبرز الحاجة إلى تعزيز القدرات المحلية في البحث والتطوير ونقل المعرفة وخبرات التقييم إلى المنطقة. وتؤكد المداخلات أن تعزيز القدرات البحثية وتبني معايير علمية دقيقة سيساهمان في فهم أعمق لتأثير التغير المناخي على الموارد البحرية والموائل الساحلية، وبالتالي في تصميم استراتيجيات أكثر فاعلية للحد من الخسائر والتكيف مع الواقع الجديد.
ضرورة تطوير كوادر وطنية في علوم البحار والتكنولوجيا الحيوية البحرية
تسلط الدكتورة حياة الحريري الضوء على أن الدول الخليجية وغيرها من الدول العربية تحتاج إلى أنظمة رصد بيئي واقتصادي دقيقة ومتكاملة، من أجل اتخاذ قرارات مبنية على الأدلة والبيانات الواقعية. وتضيف أن الاعتماد على التمويل الحكومي وحده لا يكفي، وأن المسألة تتطلب بناء كوادر وطنية متخصصة في علوم البحار والتكنولوجيا الحيوية البحرية، وهو ما يستدعي تطوير برامج تعليم مهنية وأكاديمية موجهة لدعم هذا القطاع. وتؤكد وجود حاجة لتحديث بنى التعليم والتدريب لتأهيل العاملين في قطاع البحر والبيئة، ولتشجيع المشاركة في مشاريع بحثية وتطبيقية تقود إلى نتائج عملية تعزز من قدرة المنطقة على مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية المرتبطة بالبحار والمسطحات البحرية. كما تشدد على أهمية ربط الخطط التعليمية بسوق العمل وبمشروعات التنمية البحرية المستدامة، بما يحقق تواصلاً فعالاً بين الأكاديميا والصناعة والمجتمع المدني.
تجسير الفجوات بين البحث والتطبيق في الاقتصاد الأزرق
تؤكد الوقائع المعروضة أن هناك فجوات بين النتائج البحثية واحتياجات التطبيق على الأرض، وهو ما يجعل من الضروري إرساء آليات أكثر فاعلية للترابط بين المؤسسات الأكاديمية والجهات التنموية والقطاع الخاص. كما يرد في النقاش أن المنتدى يسعى إلى مغادرة إطار التهيئة الفكرية إلى خطوات ملموسة، عبر برامج تدريبية ومناهج دراسية وتطوير مناهج تعليمية تتعلق بقضايا الأرض والمناخ والتصحر والاقتصاد الأزرق. وتؤكد هذه الرؤية أن التحديات المناخية لا يمكن مواجهتها بمعزل عن العلوم والتقنيات الحديثة، وأن الاستثمار في المعرفة والموارد البشرية هو المكوّن الأهم لإعادة بناء اقتصادات ساحلية أكثر استدامة وتنوعاً. وفي ضوء ذلك، يبقى الهدف العام هو بلورة إطار عمل يربط بين السياسات العامة والقرارات المؤسساتية والتمويل الدولي، مع الحفاظ على معادلة حماية البيئة وتوفير حياة كريمة للسكان في المناطق الساحلية. وبالتالي فإن المسار المستقبلي يتطلب تعزيز التعاون بين الدولة والمجتمع المدني والجهات التعليمية والبحثية والقطاع الخاص، لضمان تنفيذ برامج ملموسة تلامس حاجات المجتمع وتقلل من تبعات التغير المناخي على المستوى المحلي والاقليمي.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.











































































































