كتبت: فاطمة يونس
قال الناقد الفني أحمد سعد الدين إن صناعة السينما في مصر تعاني من نقص حاد في عد شات العرض، رغم امتلاك البلاد لأكثر من مئة مليون نسمة، إذ لا يتجاوز إجمالي الشات نحو 350 شاشة فقط، وهو رقم لا يواكب حجم الجمهور وتاريخ السينما المصرية. وأوضح سعد الدين ذلك خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي أحمد دياب في برنامج صباح البلد المذاع على قناة صدى البلد، مبرزًا أن الحديث عن تطوير سينمات وسط البلد يعد محوراً رئيسياً لإعادة ترميم هذا الواقع والارتقاء بخدمات العرض بما يتناسب مع طموحات الجمهور.
واقع الشات ونقاط القوة والضعف في السوق
يتفق سعد الدين مع ما يتواتر عن الحاجة إلى إعادة تصور مشهد العرض السينمائي في مصر. يرى أن النقص في الشات ليس مجرد عيب تقني، بل انعكاس لسياسات توزيع تقليدية لا تواكب حاجة الجمهور والتطورات التي شهدها عالم الترفيه. في ظل هذا الوضع، يصبح الانتشار المعز لدور العرض في مناطق حيوية ضرورة ملحة من أجل تنويع الخيارات وتوفير خيارات بأسعار مناسبة لفئات المجتمع كافة. وبينما توافر اليوم سينمات عريقة في مناطق محدة، تشكل منطقة وسط البلد في القاهرة نموذجاً واضحاً لواقع قديم يحتاج إلى إحلال وتجديد. وتظل قصر النيل، الذي يحظى بمكانة تاريخية كبيرة، في مقدمة المشهد كرمز يتطلب إحياءً وتطويراً ينسجم معاير العصر.
المقارنة التاريخية مع خمسينيات القرن الماضي
يوضح سعد الدين أن الذاكرة السينمائية لا بد أن تقف عند حقبة الخمسينيات التي شهدت زخماً عروضياً ملحوظاً. في تلك الفترة كان في مصر نحو 120 شاشة عرض، رغم أن عد السكان حينها كان أقل بكثير من اليوم. هذا الفارق الزمني يبرز فجوة بنيوية كبيرة في قطاع العرض السينمائي في الحاضر، ويقود إلى فهم أن تعزيز شبكة الشات هو خطوة أساسية لاستعادة الحيوية التي تميزت بها السينما المصرية في أوقاتها السابقة. ورغم اختلاف السياقات التقنية والاجتماعية، تبقى الدلالة نفسها متمثلة في أن التوسع في الشات يجب أن يترافق مع جودة في الخدمة وتنوع في الخيارات لسكان والمشاهدين على حد سواء. وفي هذا الإطار تبرز أهمية تطوير سينمات وسط البلد كإحدى الركائز التي يمكن أن تعيد الصورة الحيوية لتجارب المشاهدة في العاصمة.
التنوع في مستويات العرض والدرجات الثلاث
حتى لا تكون التجربة السينمائية محصورة بفئة بعينها، يدعو النقد إلى اعتماد نموذج يتيح وجود دور عرض بمستويات وأسعار مختلفة. المطروح هو توزيع جديد يتضمن الدرجة الأولى والثانية والثة، بما يتيح وصول الفن إلى شرائح أوسع من الجمهور دون المساس بجودة الخدمة. هذا المقترح يتطلب أيضاً بنية تشغيلية مدروسة، وتدفقات استثمارية تعز من كفاءة العمل وتضمن استمرارية العرض وراحة المُشاهد. فالتجربة المتوازنة التي تجمع بين جودة الصورة والصوت وخدمات ما بعد العرض ستكون حجر الزاوية في أي مشروع يهدف إلى تطوير سينمات وسط البلد بشكل محد وباقي المناطق بشكل عام. إن التنوع في العروض والأسعار ينبغي ألا يقتصر على العاصمة وحدها، ولكنه يمكن أن يكون نموذجاً قابلاً لتطبيق في مدن أخرى عند توفر الإرادة والدعم المناسبين.
تدهور بعض السينمات القديمة وتأثيره على الجمهور
يعرب سعد الدين عن قلقه من حالة بعض السينمات القديمة التي تعاني من تراجع في الخدمات الفنية وجودة الصوت والصورة. هذه العوامل تؤثر مباشرة في قرات الجمهور وتدفع الكثير من المواطنين إلى التوجه إلى المولات التجارية الحديثة التي توافر فيها تقنيات حديثة وصالات مجهزة بمستويات عالية من الراحة. في ظل ذلك، يصبح من الضروري وضع خط صيانة وتحديث تشمل تحديث الشات ونظم الصوت والإضاءة وتوفير مرافق مناسبة، وهو ما يعز ثقة الجمهور ويعيد الاعتبار لعروض السينمائية التقليدية كخيار مغرٍ وذا جدوى اقتصادية في آن واحد. كما أن تطوير هذه البنية ليس مجرد مسألة تقنية، بل جزء من حركة ثقافية تهدف لإحياء النسيج الاجتماعي في الشوارع المركزية وتوفير فضاءات اجتماعية تخدم شريحة واسعة من الجمهور.
قصر النيل كرمز لتراث وتحديات التطوير
يركز الحديث على سينما قصر النيل كأحد المعالم الأرشيفية التي ارتبطت برموز فنية كبيرة، حيث شهد تاريخاً فنياً غنياً وتحي فيه أم كلثوم وعبد الحليم حافظ أسابيع وعروضاً بارزة. اليوم، يُطرح كرمز لتراث سينمائي مهدَّد بظروف قديمة تطلب إعادة إحياءه وتحديثه بما ينسجم مع المتطلبات المعاصرة. التطوير هنا ليس مجرد ترميم، بل هو فرصة لإعادة بناء تجربة مشاهدة تجمع بين التاريخ الفني واحترام تقنيات العرض الحديثة. من المهم أن تكون إجراءات التطوير مدروسة وتستند إلى خط تمكن من الحفاظ على الطابع التراثي لمكان مع إدخال تحسينات عملية تضمن استدامة العرض وتوفير تجربة تنافس المقاولات الحديثة دون الإخلال بمكانته كمعلم ثقافي.
تطوير سينمات وسط البلد: رؤية لإحياء التراث الفني
يؤكد سعد الدين أن تطوير سينمات وسط البلد لا ينبغي أن يبقى كهدف منفرد، بل يجب أن يكون جزءاً من استراتيجية أوسع لإحياء صناعة السينما في العاصمة وربما في باقي المحافظات. هذا التطوير الشامل يتطلب تدخل المؤستين العامة والخاصة معاً، وتوحيد الجهود بين الجهات المعنية بالبناء والتشغيل والرقابة، إضافة إلى تشجيع الاستثمار في تقنيات العرض والتجارب التفاعلية التي تهم جمهور اليوم. كما يتطلب توفير بيئة تشريعية مناسبة تدعم المعروض وتضمن استمرارية الاستثمار، إلى جانب استثمار في الكوادر الفنية والإدارية لضمان جودة الخدمة واستدامة المشاريع. في النهاية، فإن الهدف يتمحور حول منح الجمهور خيارات حقية وميسورة، مع الحفاظ على قيمة التراث الفني وفتح نافذة جديدة أمام جيل جديد من المشاهدين لاستلهام أجزاء من تاريخ السينما المصرية والارتقاء بتجربتهم الفنية.
إحياء وسط البلد كمنطلق لتجديد صناعة السينما
يختم الحديث بإشارات عملية تفيد بأن إعادة إحياء وسط البلد كمنطلق لتجديد صناعة السينما يتطلب رؤية واقعية وقابلة لتنفيذ. الهيكلة المقترحة تشمل تحديث البنية التحتية لمباني المخصة لعرض، وتوفير مراكز خدمات حول مناطق العرض، وتحديث أساليب البيع والتوزيع، إضافة إلى برامج ثقافية مشتركة تستقطب جمهوراً مختلفاً باستمرار. إن تعزيز حضور وسط البلد ليس مجرد مسألة تشغيل صالات جديدة، بل هو مشروع ثقافي يهدف إلى تغير نمط الاستهلاك وتوفير مساحات حرة يمكن لمجتمع أن يستثمر فيها فنه وذاكرته. ومع وجود قصر النيل كواجهة تاريخية، تصبح المنطقة على أعتاب نقطة انطلاق لمرحلة جديدة تجمع بين التراث والحداثة وتفتح آفاق أوسع لصناعة سينما مصرية أكثر تنوعاً وعمقاً.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.















































































































