كتبت: سلمي السقة
قدمت دار الإفتاء المصرية توضيحاً مستنداً إلى مبادئ الدين وتفسير النصوص حول سؤال ورد إليها عبر موقعها الرسمي مفاده: هل تجلى اله تعالى على جبل الطور وكلم موسى عليه السلام دون بقية البقاع المباركة؟ جاءت الإجابة موضحة بأن الاختصاص الإلهي بميزة أو فضيلة هو محض فضل وتكرم من اله تعالى، فاله سبحانه يفضل ما يشاء ويختار، ولا يجوز أن يصاغ في إطار مقايس بشرية ثابتة. وفي سياق الحديث عن جبل الطور بيّنت الدار أن هذا الجبل ليس مجرد مكان عادي، بل هو من جبال الجنة، وهو حرز يحتمي به المؤمنون من فتنة يأجوج ومأجوج، كما أن اله قد حرم الدجال من الدخول إلى بعض البقاع بوصفه من المحارم التي يحرسها اله تعالى. كما أُشير إلى أن جبل الطور تواضع له فرفعه اله واصطفاه، وهو الجبل الوحيد الذي حُقّ له أن يتكلم اله مع موسى عليه السلام مباشرة دون واسطة، وهو ما يميّزه ضمن سياق تكريم اله لمخلوقين وتفضيله لبعض الأماكن والزمان والطرق.
جبل الطور: فضيلة وتجلي في القرآن والسنة
يؤكد البيان الإلهي أن جبل الطور يحظى بمكانة خاصة لاستحقاقه التجلي الإلهي وتكليم اله موسى عليه السلام، وهو ما يجعل هذا الجبل من أبرز العلامات التي تشهد على عظمة اله وتفضيله لبعض الأماكن. كما يشار إلى أن جبل الطور يختص بهذه الفضيلة كنوع من التذكير بما وقع فيه من آيات وآثار، وهذا التفضيل يُضاف إلى سلة من الفضائل التي يمنّ اله بها على بعض الأماكن دون غيرها. كما ورد تذكير بأن موسى عليه السلام هو النبي الذي كلمه اله جلاله، وهذا ما يضفي على جبل الطور مكانة خاصة في ذاكرة الأمة الإسلامية.
بيان التفضيل الإلهي في الخلق
تُبيّن النصوص أن اله سبحانه وتعالى يفضّل بين خلقه كما يشاء وبما يهدف إليه من حكمٍ ومقاصد، وهذا يشمل تفاضل الناس وتفضيل الأنبياء والرسل والأولياء، وتفضيل بقاع بعينها مثل مكة والمدينة، وتفضيل أزمنة مثل رمضان وليلة القدر ويوم عرفة، وتفضيل جبالٍ محدة مثل جبل الطور. فالتفضيل الإلهي هنا ليس حظاً عشوائياً وإنما هو جزء من حكمة اله وإرادته التي تقتضي أن يفاضل بين الأماكن والزمان بما يخدم الرسالة الإلهية والتذكير بالآيات المكانية المعظمة. وفي هذا السياق يورد العلماء أمثلة من تفسير كلام اله على ألسنة أئمة التفسير، لتبيان أن الأمور المصوَّرة كونية وشؤون أرادها اله وتقديرها لا تبطلها إلا إرادة اله.
المعجزات كدليل صدق الرسالة
من أجل إقناع الأقوام بالإيمان بنبوة الرسل، يذكّر النص بأن المعجزات التي يظهرها اله على أيديهم تمثّل تكرماً منه وإحساناً وتأيداً لدعواهم. فالمعجزات هي الدليل القاطع الذي يفصل بين الصادق والكاذب في ادعاء الرسالة، وتُعدّ من البراهين التي تقترن بالصدق وتؤدي إلى قبول الدعوة. وفي هذا السياق تُؤكد الآيات أن المعجزات هي آيات واضحة تشهد بصدق من أنزل عليهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط. وتبرز آراء بعض المفسرين في أن البينات والمعجزات هي جزء من البيِّنة التي تقطع الشك وتثبت صدق الرسل.
تكليم اله موسى تكليماً والاصطفاء الإلهي
يُبرز النص أن موسى عليه السلام اختص بتكليم اله له تكليماً، وهو تشريفٌ يبيّن أن الاصطفاء الإلهي لا يقتصر على البشر وإنما يتعداه إلى مناصب وظيفية عالية في الرسالة. والاصطفاء هنا ليس بمعنى التفاضل على الخلق فقط، بل تخصيص أهل الرسالة بمزايا خاصة تعلق بخلاص الجماعة من خلال كلام اله معه وإبلاغه بما أنزله إليه. وهذا التفسير يبرز أن موسى عليه السلام له مكانة فريدة وتكريم خاص في تاريخ الرسالة الإلهية.
تواضع جبل الطور وتجلّيه
يتناول الحديث مسألة تواضع الجبال أمام إرادة اله، وكيف أن جبل الطور وحده ظل متواضعاً عند نزول الأمر الإلهي فكان سباً في رفعه واصطفائه لتجلّي. وتُروى أشعار وروايات تناول مفهوم تواضع الجبال أمام قدرة اله، وتُشير إلى أن جبل الطور بعث برسالة التواضع فاستحقّ من اله العظمة والتكريم. كما يروى أن هناك تفاسير تذكر أن جبل زبير كان أقرب إلى مدين وكان من بين الجبال التي استجاب لتواضعها اله، فارتفع بالتجلي له دون غيره، وهو ما يعز فكرة أن التواضع أمام اله يرفع العبد ويجعله موضع التكريم الإلهي.
أبعاد الحديث عن الأنهار والجبال في الجنة
يجمع النص بين الأحاديث التي تذكر أربعة جبال من جبال الجنة وأربعة أنهار من أنهار الجنة، ومنها طور الطور، لبنان، طور سيناء وطور زيتا، وكذلك الأنهار الأربعة: الفرات والنيل وسيحان وجيحان. ويشار إلى وجود أحاديث أخرى تذكر الملحمات (بحرمة بدر، أحد، الخندق، حنين) كجزء من فضائل الجنة. وعلى الرغم من أن بعض رواتها ضعاف، إلا أن المعنى العام يشير إلى أن هذه الأنهار والجبال تشهد على جمال الطبيعة الروحية التي وعد اله بها المؤمنين. وتستدل المكتوبة أيضاً بأن ما ورد من أحاديث في هذا الباب يتفاوت في درجة الصحة، ولكنه يظل دافئاً في تبيان أن الأنهار والجبال هي جزء من فضائل الجنة ولا تُنكر.
حرمة جبل الطور على الدجال وتحصين المؤمنين
يتناول النص جانباً آخر من الفضائل وهو أن جبل الطور حرامٌ على الدجال، وأن اله يحفظ المؤمنين من فتنته. ويُشار إلى أن هناك أحاديث تشير إلى أن أربعة مساجد هي التي لا يقترب منها الدجال، وهي المسجد الحرام، مسجد الرسول، المسجد الأقصى، ومسجد الطور. هذا الجانب يعز فكرة أن الطور ليس مكاناً عابراً فحسب، بل رمزٌ لحماية الإلهية والقُدسية التي يحفظ اله بها عباده المؤمنين من الشرور والفتن الكبرى.
هكذا يبيّن المقال أن اختصاص اله تعالى لأي مخلوق بفضيلة أو ميزة ليس قيداً على اله، بل هو جزء من فضله وتكرمه وإرادته التي تفضّل ما تشاء وتختار ما يراه مناسباً. وبالنسبة لجبل الطور، فالتفضيل لم يكن فقط من باب التكريم التاريخي، بل ليظل بمثابة تذكير حي بآيات اله وإشعاراً بأن التجلّي الإلهي والحديث المباشر مع موسى عليه السلام يمثلان قمة التكريم الرباني لهذه البقعة من الأرض.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.















































































































