كتبت: سلمي السقا
قال مالك فرنسيس، عضو الحزب الجمهوري الأميركي، إن سياسات ترامب التجارية لا تخدم المصلحة الأمريكية ولا الشعب الأميركي، معبراً في الوقت نفسه عن اعتقاده بأن ما يُطلق عليه محاولات بعيدة عن الواقع لإبعاد الهند عن روسيا والصين وعن مجموعة بريكس ليس بالأمر السهل أو الكافي لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية أوسع. جاءت هذه التصريحات خلال لقاء مع الإعلامي أحمد بشتو، مقدم برنامج “المراقب” على قناة القاهرة الإخبارية، ليطرح فيها قراءة خاصة للمسارات الاقتصادية الراهنة وتبعاتها المحتملة على الولايات المتحدة وحلفائها.
وتطرق الحديث إلى مسألة الرسوم الجمركية التي أقرها الرئيس ترامب، مشيراً إلى أن هذه الإجراءات تترك أثرها على العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وشركائها حول العالم، وهو ما ينعكس بدوره على اقتصاد الدولتين: الهند والولايات المتحدة. وفق ما قاله فرنسيس، فإن فرض ضريبة نسبتها 25% على الشركات الأميركية التي تتعامل مع شركات خاصة، وبالأخص شركات هندية، ستلقي بظلالها على النمو الاقتصادي في الهند وتؤثر بشكل غير مباشر على الاقتصاد الأميركي، وهو أمر قد يفتح باباً للنقاش حول جدوى سياسات تقليل الاعتماد على العمالة الماهرة وتوظيفها خارج الحدود الوطنية.
وأوضح في سياق إضافي أن مشروع السيناتور بيرني من ولاية أوهايو، الذي يهدف إلى استعادة وظائف من الهند، لا يصب في صالح الشعب الأميركي من وجهة نظره. فقد أشار إلى أن وجود نقص في المهندسين والعمال المؤهلين في مجالات التكنولوجيا داخل الولايات المتحدة يجعل من الخطوة تلك غير مجدية، مع تأكيده أن اليد العاملة الهندية لا تدفع الأجور محلياً فقط، بل تمثل أيضاً منافساً قوياً في الأسواق العالمية. كما لفت إلى أن السياسة الاقتصادية التي تقودها الإدارة الحالية قد تكون سبباً في ارتفاع تكاليف الإنتاج داخل البلاد، وهو ما سيؤثر حتماً على الأسعار النهائية التي يتابعها المستهلك الأميركي بشكل يومي.
ومن ثم أشار فرنسيس إلى أن السؤال الأكبر يتعلق بمن سيدفع فاتورة تلك الضريبة الجديدة على المنتجات والخدمات، محذراً من أن الأميركيين سيكونون هم من يتحمل تبعاتها في نهاية المطاف. قال: “الـ25% من سيدفعها؟ الشعب الأميركي.. لكن أعضاء ماجا، أنصار الرئيس ترامب، لا يعلمون بأنهم هم الذين سيدفعون هذه الضريبة الجديدة وسترتفع الأسعار هنا، حيث يعتقدون بأن الصين أو الهند هم الذين يدفعونها، لكن هذا خطأ كبير، لأن هنا الغلاء يزداد يوميًا والشعب الأميركي لا يستطيع حتى شراء الطعام لعائلته”. يعكس هذا التصريح نقاشاً حول إعادة توزيع الأعباء بين السياسات الضريبية وتكاليف السلع الأساسية وتأثيرها على قدرة المستهلكين الأميركيين على تلبية احتياجاتهم الأساسية.
وأضاف في سياق حديثه عن الواقع الاقتصادي الأميركي أن “هنا في أمريكا، لدينا مشكلات كبيرة في الاقتصاد، وسياسة الرئيس ترامب لا تساعد الحزب الجمهوري”؛ وهو موقف يعكس قلقاً قد ينعكس في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. وأشار إلى نتائج الانتخابات في الولايات المختلفة خلال الفترة الأخيرة، بينما يرى أن التحديات التي تواجه الجمهوريين قد تعززها النتائج التي أفرزت فوز الديمقراطيين في نيوجيرسي، وفي فرجينيا، وحتى في نيويورك، وهو ما يجعل من أي قراءات مستقبلية أكثر تعقيداً وتطلباً لإعادة تموضع استراتيجية الحزب.
توقع فرنسيس أن تكون لهذه السياسات تأثيرات على الانتخابات النصفية القادمة للسنة المقبلة، مع احتمال أن يفوز الديمقراطيون بالأغلبية في مجلس النواب، وهو ما يعكس تغيّراً في موازين القوة السياسية داخل الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، أكد أنه من الضروري أن يسعى الرئيس ترامب إلى تعديل سياساته، خصوصاً فيما يخص الضرائب، وأن يعمل جاهداً لإعادة الشركات الأمريكية إلى أراضيها، وهو أمر يعكس تحدياً كبيراً أمام قدرة الشركات على التوظيف في الولايات المتحدة وتحقيق الانتعاش في قطاعات التكنولوجيا والابتكار. لكن في الوقت نفسه عبّر عن واقعية بأن الأمر ليس سهلاً وأن وجود موظفين مؤهلين محلياً في مجالات التكنولوجيا قد يصطدم بعقبات هيكلية واقتصادية، وهو ما يجعل من التحرك في هذا الاتجاه أمراً يتطلب خطوط عمل دقيقة وقرارات استراتيجية مدروسة.
سياسات ترامب التجارية وتأثيرها على العلاقات الدولية والاقتصاد الأميركي
تثير تصريحات مالك فرنسيس حول سياسات ترامب التجارية موضوعاً يطفو على سطح النقاش العام حول جدوى فرض الرسوم والضرائب المرتفعة على الشركات الدولية. فالموقف المطروح يربط بين السياسات الضريبية وآفاق الانتعاش الاقتصادي، إضافة إلى تأثيرها المحتمل على الأنظمة التجارية العالمية. وهنا يبرز تساؤل مركزي: هل يمكن لسياسات تقليل الاعتماد على العمالة الأجنبية أن تتماشى مع متطلبات السوق الأميركي والابتكار التكنولوجي؟ أم أنها ستؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وأسعار المستهلكين وتباطؤ النمو في قطاعات حيوية؟
هذا المستوى من النقاش يعكس أيضاً اعتبارات الأمن الاقتصادي الوطني في ظل تبني سياسات تشدد الخناق على التعاون الدولي وتعيد ترتيب العلاقات مع دول مثل الهند وروسيا والصين. فالتعامل مع القوى الدولية وتحديد مسار العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة ومجموعة بريكس لا يقتصر فقط على الأبعاد الاقتصادية بل يمتد إلى استراتيجيات السياسة الخارجية والأمن القومي. ومن هذا المنطلق، يرى كثير من المراقبين أن أي قرار اقتصادي كبير يتطلب توازناً دقيقاً بين حماية الصناعة الوطنية وتحفيز الابتكار وتوفير فرص العمل للمواطنين الأميركيين، وكل ذلك في بيئة تشهد تقلبات في أسعار الطاقة، وتغيراً في سياسات التجارة العالمية.
وتترافق هذه النقاشات مع رهانات الانتخابات النصفية المقبلة، حيث تؤثر النتائج على قدرة الحزب الحاكم على تنفيذ سياساته الاقتصادية والضريبية في المدى القريب والمتوسط. وإذا استمرت الضغوط الاقتصادية وزيادات الأسعار في المناطق ذات الثقل الانتخابي، فإن الانشقاقات داخل صفوف الحزب الجمهوري قد تتسع، وهو ما يفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة للمشهد السياسي الأميركي. في هذا السياق، يظهر أن الحديث عن الحفاظ على موقع القوة الاقتصادية الأميركية يعتمد بشكل كبير على قدرة الحكومة على تيسير بيئة الأعمال وإعادة الشركات إلى أراضيها، مع توفير بيئة تشريعية تدعم الابتكار وتسهّل التوظيف في مجالات التقنية المتقدمة.
الاستحقاقات السياسية والآفاق الانتخابية
وعلى صعيد الانتخابات، يعبر بعض المراقبين عن اعتقاد بأن سياسات ترامب التجارية قد تعرقل جاذبية التيار الجمهوري في بعض الدوائر، خاصة تلك التي تأثرت بشكل مباشر بارتفاع كلفة العيش وغلاء الأسعار. ومع ذلك، يظل الراهن السياسي متقلباً ويخضع لعدة عوامل، منها أداء الاقتصاد، وتقييم الرسوم والضرائب، واستجابة الحكومة لأي تحديات تواجهها الشركات الأجنبية والمحلية. وفيما يرى كثيرون أن الديمقراطيين يحققون مكاسب في بعض الولايات، يبقى السؤال محورياً حول ما إذا كانت هذه المكاسب ستترجم إلى أغلبية فعلية في مجلس النواب أم لا، ثم كيف ستتعامل الإدارة مع تغيّر الصورة النمطية للمواطن الأميركي تجاه السياسات الاقتصادية الكبرى.
مخاوف وتوقعات المستقبل
يبقى السؤال الأكبر حول مستقبل السياسات الاقتصادية والضريبية التي يقودها ترامب. فالمحللون يرون أن هناك حاجة إلى إعادة نظر في ترتيب الأولويات الاقتصادية، وتقييم أثر السياسات المرتبطة بالرسوم الجمركية على سلسلة التوريد العالمية. كما يرى بعض المراقبين أن وجود عجز في تلبية احتياجات العمالة المؤهلة ضمن الولايات المتحدة قد يتطلب حلاً وسطاً يتضمن تدريباً داخل الولايات المتحدة وتوفير حوافز للشركات لاستقطاب المهارات التقنية، بما يسهم في دعم قطاع التكنولوجيا الأميركي وتوليد وظائف ذات جودة عالية. هذه العناصر كلها تشكل معاً إطاراً يمكن من خلاله تقييم جدوى السياسات الاقتصادية في ضوء التحديات الراهنة والآفاق المستقبلية.
خلاصة التداول السياسي والاقتصادي
إن النقاش حول سياسات ترامب التجارية ليس مجرد نقاش اقتصادي فحسب، بل هو أيضاً امتحان لأطر السياسة العامة التي ترسم ملامح الاقتصاد الأميركي في العقد القادم. فعلى الرغم من وجود أصداء إيجابية عند بعض شرائح المجتمع حول تشديد القيود على الشركات الأجنبية وتحفيز الاستثمار المحلي، تظل هناك أسئلة حاسمة حول كيفية تحقيق توازن أكثر عدلاً بين حماية المصالح الوطنية وتوفير فرص العمل والقدرة التنافسية العالمية للولايات المتحدة. وفي هذه الرحلة الطويلة من الحوار السياسي والاقتصادي، تظل الآمال معقودة على خيارات قد تجمع بين الإصلاح الضريبي والابتكار وتيسير بيئة الأعمال، بما يضمن استقراراً اقتصادياً يحقق مصالح المواطن الأميركي دون المساس بالقيم الأساسية التي يقوم عليها النظام السياسي.
وهكذا، تواصل التصريحات والمواقف حول السياسات التجارية والتكاليف المرتبطة بها إثارة نقاش واسع حول مستقبل الاقتصاد الأميركي ومساره السياسي. فالمسألة ليست مجرد تابع لخطاب سياسي، بل هي رافعة تؤثر في حياة الناس اليومية وتوجيه السياسة العامة في البلد الأكبر اقتصادياً في العالم، وهو ما يجعل من هذه المسألة محوراً رئيسياً في أي تناول سياسي واقتصادي مستقبلي.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.











































































































