كتب: إسلام السقا
أكد الشيخ أحمد ترك، الداعية الأزهري، أن الحضارة المصرية القديمة ليست حضارة وثنية، بل هي حضارة آثار تعكس مسار أمة عريقة عبر فترات طويلة من التاريخ. يوضح الداعية بأنه عندما نتحدث عن هذه الحضارة فإننا لا نقصد بها تماثيل أو أصنام تقود العبادة، وإنما نحيي تاريخاً جامعاً للإنسانية من خلال ما خلفته من آثار وآبار تاريخية تتيح للناس فهم سرداً متكاملاً لحياة المصريين القدماء. في هذا الإطار، يلفت إلى أن الهدف من نحت الآثار وبناء الأهرامات كان تخليد التاريخ وتوثيق أبعاد حضارة طويلة العُمر بهدف اطلاع الأجيال القادمة على هذا الإرث العظيم، ولا يخلُ الأمر من دلالات على قدراتها الفنية والهندسية والتخطيط الاستراتيجي التي ميزت تلك الحضارة. جاء ذلك في حديثه خلال برنامج نظرة، على شاشة قناة صدى البلد، وتحديداً أثناء لقاء مع الإعلامي حمدي رزق، حيث عرض عدد من الوقائع التاريخية من منظور ديني وفكري يعكس تقاطع التاريخ والدين. ويؤكد ترك أن الحضارة المصرية القديمة تمتلك بنياناً فكرياً يحيل إلى قناعة بالدار الآخرة، وهو ما يعد ركيزة رئيسية في قراءة هذا التاريخ من زاوية روحية وفلسفية. وفي سياق حديثه، يشير إلى أن الصورة المرافقة للجدار المعماري تتضمن مشهداً يظهر فيه شخص راكعاً يرفع يداه إلى السماء، وهو ما يبرز وجود مفهوم العبادة في حضارة المصريين القدماء، معتبراً أن هذه الإشارات تعزز فكرة التديّن العميق في ذلك المجتمع القديم، وتؤكد أن الإيمان بالعالم الآخر كان جزءاً من وجدانهم كما يوضح ذلك النسيج الفني والرمزي في المعابد والأهرامات.
الحضارة المصرية القديمة وآفاق التخليد التاريخي
ثمة قراءة متأنية لمكوّنات الحضارة المصرية القديمة تكشف أن التخليد عبر الزمن هو إحدى أبرز سماتها. يوضح الشيخ ترك أن رنين التاريخ في هذه الحضارة ليس مجرد حفظ للذكرى بل هو رسالة تصوغها الآثار في طبقات الزمن، فتكون المادة التاريخية شاهدة على تكامل المجتمع من حيث العلم والمعرفة والفنون والهندسة. وفي هذا السياق، تعتبر الآثار جزءاً من ذاكرة جماعية تسهم في بناء فهم أعمق لطريقة حياة المصريين القدماء وممارساتهم اليومية والمجتمعية، وتحدد أيضاً كيف تنبني الحضارة من خلال استمرارية البناء والتخطيط المعماري الذي يعكس قيمة التخطيط والجهد البشري. وبدلاً من النظر إلى هذه الآثار كرموز عبادة فحسب، يرى فيها كثير من الباحثين وأهل الفكر عبر العصور دليلاً على التطور الثقافي والإنساني الذي حققته تلك الحضارة. وفي حديثه يبرز أن تخليد التاريخ من خلال البناء والهندسة يمثل محاولة مستمرة لربط الحاضر بالماضي عبر رسائل لا تنتهي، وهو تفسير يعزز فكرة أن الحضارة المصرية القديمة لم تزل حية في الوعي العالمي بفضل هذه الآثار التي تحكي قصة شعب وزمن. كما يشير إلى أن الأجيال القادمة ستتعلم من هذه الآثار كيف تمكنت حضارة من استغلال مواردها الطبيعية وتوظيفها في بناء حضارة متكاملة تجمع بين العلم والفن والدين، وهو أمر يعزز قيمة الحضارة المصرية القديمة كمرجع تاريخي لا ينضب.
الإيمان بالدار الآخرة في الحضارة المصرية القديمة
يؤكد الداعية أن الإيمان بالدار الآخرة كان جزءاً لا يتجزأ من منظومة الفكر لدى المصريين القدماء، وأن هذا الإيمان يظهر في طيف من الرمزيات والقصص المتواترة عبر النصوص والصور الفنية التي خلفوها. بالنسبة له، قصة البعث في الحضارة المصرية القديمة تشكل دليلاً قوياً على وجود قناعة دينية عميقة بمفهوم الحياة بعد الموت وبالتواصل المستمر بين الدنيا والآخرة. وفي إطار ذلك يربط وجود هذه القناعة بالتصور العام للكون وبالممارسات الجنائزية التي تبرز في بعض المشاهد والرموز على جدران المعابد والقبور، حيث يعبر الفنانون عن معادلة وجودية تجمع بين الواجب الأخلاقي والبعد الروحي وتؤسس لوعي تاريخي يصبو إلى الخلود. يطرح ترك هذا التصور كجزء من فهم أوسع للحضارة المصرية القديمة، إذ يضع في قلب النقاش فكرة أن الدين ليس مجرد عبادة محدودة بل هو منظومة أخلاق وفلسفة حياة تفرض على المجتمع أن يظل حذرًا أمام زوال الدنيا وتغيراتها، معبراً عن ذلك من خلال سلسلة من الأمثلة البصرية التي تكشف عن علاقة الإنسان بالألوهية وبالمصير النهائي. وفي هذا السياق، يبرز أن ثمة دلالات على الدار الآخرة في الأعمال الفنية والطقوس، وهو ما يفتح الباب أمام تفسير أعمق لكيفية تفاعل المصريين القدماء مع فكرة الحياة بعد الموت وتطلعاتهم إلى الخلود كجزء من منظومة حضارية متكاملة.
أثر العبادات في جدران المعابد على تصور المصريين القدماء
يؤكد ترك أن الصورة المتداولة على جدران المعابد والتي يظهر فيها شخص راكعاً وهو يرفع يديه إلى السماء تحمل رسالة دينية عميقة، وتدل على وجود مفهوم العبادة لدى المصريين القدماء يتجاوز حدود الشكل الفني إلى دلالته الروحية والعملية. قد تكون هذه الإيحاءات من أكثر ما يلفت الانتباه لأنها تجمع بين التوثيق التاريخي ونقل الإيمان والإحساس بالسماء؛ فالمعابد ليست مجرد أبدية حجرية وإنما هي فضاءات روحية تقدم تجربتين متجاورتين: تاريخية وجمالية من جهة، ودينية ووجودية من جهة أخرى. وفي إطار حديثه، يشير إلى أن هذا النمط من التصوير ليس مجرد تزيين للفضاء بل هو تعبير عن نشاط ديني حي، يتفاعل مع الحياة اليومية للمجتمع، ويشرح للناس كيف يتعاملون مع العالمين المختلفين: هذا العالم وما بعده، وهو فهم يظل محورياً في قراءة الحضارة المصرية القديمة لدى العديد من الدارسين والمتابعين. وإذا أخذنا هذه المعاني إلى مستوى أوسع، نرى أنها تساهم في تشكيل وعي تاريخي يعين على فهم الظواهر الفنية والعمارة في تلك الفترة كجزء من منظومة عبادية تتكامل مع السياسات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع.
هدف بناء الأهرامات والآثار في قراءة تاريخ الحضارة المصرية القديمة
يتناول الحديث عن سبب بناء الأهرامات والآثار في سياق التخليد والإرث الذي تركته الحضارة المصرية القديمة، ويفتح باباً أمام قراءة جديدة لسياق تاريخي يعزز قيم البحث عن المعنى. وفق رؤية الشيخ ترك، كان الهدف الرئيس من هذه الأبنية هو حفظ التاريخ في صيغته المادية والرمزية، بما يتيح للأجيال اللاحقة قراءة مسار تطور الحضارة وإدراك الجوانب الفنية والهندسية المرتبطة بها. وبناءً عليه، فإن الأهرامات ليست مجرد هياكل ضخمة بل هي شواهد تاريخية على تخطيط حضاري دقيق وابتكار إنساني مميز. كما أن وجودها في مناطق مختلفة من مصر يعكس تنوع الاستخدامات والوظائف المرتبطة بها، من حيث تخطيط المدن والاستراتيجيات الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يجعلها مصادر غنية لفهم التاريخ المصري في سياق تطوره عبر العصور. وفي هذا السياق، يؤكد ترك أن هدف التخليد ليس إقامة تمجيد مادي فحسب، بل هو أيضاً ربط الماضي بالحاضر من خلال إشراقات منتظمة تعيد قراءة هذه الحضارة وتثري النقاش العلمي والديني حولها.
فهم الحضارة المصرية القديمة في الحاضر وتأثيره على الوعي التاريخي
إن قراءة الشيخ أحمد ترك للحضارة المصرية القديمة تفتح نافذة على كيفية التعامل مع التاريخ من منظور ديني وثقافي، وتشرح كيف يمكن للحوار بين الدين والتاريخ أن يعيد تشكيل فهم المجتمع المعاصر لهذا الإرث. فهو يرى أن الحضارة المصرية القديمة تحمل رسالة مستمرة مفادها أن التاريخ ليس مجرد أطلال وإنما حراك فكري وروحي يعيد بناء مفهوم الانسان والمكان والزمان. وبناء على ذلك، تتضح أهمية استحضار هذه الرؤية في الحاضر باعتبارها جسراً يربط بين المراحل التاريخية والواقع المعاصر، ويؤدي إلى تقدير أعمق للدور الذي لعبته مصر القديمة في تشكيل وعي الشعوب وثقافاتها. كما أن هذا التفسير يساهم في تعزيز الحوار بين الأجيال المختلفة حول قيم الحضارة المصرية القديمة واستخداماتها في قراءة العلم والفن والدين. في نهاية المطاف، يعزز هذا الطرح الإيمان بأن الحضارة المصرية القديمة ليست شيئاً من الماضي فحسب، بل هي حضور ثقافي وروحي يظل حياً في الوعي العالمي، ويستمر في إفادة الباحثين والمهتمين بالتاريخ والعلوم الإنسانية.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.














































































































