كتبت: فاطمة يونس
في إطار نقاش علمي وديني يهدف إلى توضيح معنى قراءة القرآن وفوائدها، يوضح الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط، أن قراءة القرآن ليست مجرد سعي نحو الثواب وحده، بل هي تجربة روحية عميقة ومنهج حياة. قال في توجيهاته إن القرآن نعمة عظيمة، وإن النية التي يخرج بها القارئ من بين ثناياه تحدد إلى أي مدى ستؤثر هذه القراءة في حياته اليومية. كما استشهد بالحديث النبوي الشريف: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى”. يتضح من هذا الكلام أن القرآن ليس حِكماً متراكمة فحسب، بل تجارة مع الله مضمونة ورابحة حين تكون النية صادقة ومتصلة بالغرض الذي شرعه الله للقرآن. ومن هذا المنطلق أشار العالم الأزهر إلى أن القراءة لا تكون مجرد عادة يتكرر بها العبد، بل هي نهج حياة يربط بين العلم والعمل، وهذا الجوهر يجعل من القراءة Commerce مع الله رابحة بقدر صدى النية ونقاء القلب وتطبيق ما تقرؤه من آيات في الواقع.
التجارة مع الله: أركان النية في القراءة القرآنية
1- اقرأ القرآن لأجل العلم والعمل به، فقراءة القرآن تعلمك المعارف الصحيحة وتدفعك إلى تطبيقها في سلوكك اليومي. 2- اقرأ القرآن بقصد الهداية من الله، فالهدى هو الهدف الأول الذي يحرك الإنسان نحو الصواب ويرشده في دروب الحياة. 3- اقرأ القرآن بقصد مناجاة الله تعالى، فالمناجاة تقرب العبد من ربه وتفتح القلب للسكينة. 4- اقرأ القرآن بقصد الاستشفاء به من الأمراض الظاهرة والباطنة، فآياته تحمل في طيّاتها أثرًا روحيًا يخفف من أعباء الجسد والروح. 5- اقرأ القرآن بقصد أن يخرجك الله من الظلمات إلى النور، وهي مفتاح لتحول داخلي يشع في المواقف والقراءة. 6- اقرأ القرآن لأنه علاج لقسوة القلب، وفيه طمأنينة القلب، وحياة القلب، وعمارة القلب. 7- اقرأ القرآن بقصد أن القرآن مأدبة الله تعالى، فخلالها يتذوق العبد كرامة الكلام الإلهي ويستشعر عظيم فضله. 8- اقرأ القرآن حتى لا تُكتب من الغافلين وأكون من الذاكرين، فالتوثيق القلبي بالذكر يفتح باب القرب من الله. 9- اقرأ القرآن بقصد زيادة اليقين والإيمان بالله، فالإيمان يزداد بنور القرآن وتثبيت اليقين يجلو الشك. 10- اقرأ القرآن بقصد الامتثال لأمر الله تعالى بالترتيل، فالتلاوة المضبوطة تعبد وتزكي النفس وتعمّق التلازم بين اللفظ والمعنى. 11- اقرأ القرآن للثواب حتى يكون لك بكل حرف 10 حسنات، والله يضاعف لمن يشاء، وهذا يبرز فائدة النية في تحفيز العطاء الروحي. 12- اقرأ القرآن حتى تنال شفاعة القرآن الكريم يوم القيامة، وهو وعد يضفي على القراءة معنى أسمى وأعظم. 13- اقرأ القرآن بقصد اتباع وصية النبى ﷺ، فاقتفاء أثره في القراءة يمنح الإنسان سيرة موثوقة ومألوفة. 14- اقرأ القرآن حتى يرفعك الله به ويرفع به الأمة، فالقرآن يخلق جيلًا متصلًا بروح الدين وفهمه الصحيح. 15- اقرأ القرآن حتى ترتقي في درجات الجنة، وتلبس تاج الوقار، وتكسى والداك بحلتين لا تقوم لهما الدنيا، فالنور الذي يحمله الكلام الإلهي يترجم إلى شرف ودرجات روحية. 16- اقرأ القرآن بقصد التقرب إلى الله بكلامه، فالتقرب يفتح باب المحبة والقبول الإلهي. 17- اقرأ القرآن حتى تكون من أهل الله وخاصته، فالرهبة والقداسة تتجسد في المداومة على القراءة بتدبر وخشوع. 18- اقرأ القرآن بقصد أن الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، فالمسار القرآني يجمع بين السالك والمتلقي في رحمة الله. 19- اقرأ القرآن بقصد النجاة من النار ومن عذاب الله، وهذا الهدف يضفي جدية ومسؤولية على الاهتمام بالقراءة والتدبر. 20- اقرأ القرآن حتى تكون في معية الله تعالى، فالمعية الإلهية تترجم إلى ثبات في المحنة وراحة في القلب. 21- اقرأ القرآن حتى لا ترد إلى أرذل العمر، فالقرآن يحفظ النفس من التلاشي الروحي في شيخوخة الهموم. 22- اقرأ القرآن حتى يكون حجة لك لا عليك، فالتدبر والعمل بما تقرؤه يجعل القرآن حجة حية في يوم القيامة. 23- اقرأ القرآن بقصد أن النظر في المصحف عبادة، فالتأمل في الحروف عمل روحي يثمر خشوعاً لتلاوة كلام الله. 24- اقرأ القرآن حتى تنزل علي السكينة وتغشاني الرحمة، ويذكرني الله فيمن عنده، فالسكون والرحمة يتباريان مع النفوس المضطربة. 25- اقرأ القرآن بقصد الحصول على الخيرية والفضل عند الله، فالخير الذي ينشأ من القراءة يتحول إلى أثر في الحياة والدعاء. 26- اقرأ القرآن حتى يكون ريحي طيبا، وبذلك تمتد رائحة الخير إلى من حولك وتصفو حياتك. 27- اقرأ القرآن حتى لا أضل في الدنيا ولا أشقى في الآخرة، فالتدبر والاتباع يمنحان الاستقامة والراحة الأبدية. 28- اقرأ القرآن لأن الله يجلي به الأحزان، ويذهب به الهموم والغموم، وهذا ما يمنح النفس طمأنينة في الأزمات. 29- اقرأ القرآن ليكون أنيسي في قبري، ونوراً لي على الصراط، وهادياً لي في الدنيا، وسائقاً لي إلى الجنة، فهذه الصورة تعكس عمق العلاقة بين القراءة والآخرة والحياة الدنيا. 30- اقرأ القرآن لي ربيني الله ويؤدبني بالأخلاق التي تحلى بها الرسول ﷺ، فالأخلاق أصل في الطريق الروحي. 31- اقرأ القرآن لأشغل نفسي بالحق حتى لا تشغلني بالباطل، فالتشبث بالصدق يقطع باب التقلب والتهوين. 32- اقرأ القرآن لمجاهدة النفس والشيطان والهوى، فتُحصن النفس وتثبّت الإيمان أمام الإغواء والضلال. 33- اقرأ القرآن ليجعل الله بيني وبين الكافرين حجاباً مستوراً يوم القيامة، وهو تصور يعزز الحذر والتقوى في مسالك الحياة.
التجارة مع الله في مدخل القراءة إلى الهداية والمناجاة
يتضمن حديث الدكتور مرزوق عبدالرحيم توازنًا بين الجانب النظري والعملي، فبينما يقر بأن القراءة من أجل الثواب هو مقصد مشروع، يربط بين هذا المقصد وباقي نوايا تقرّب العبد من الله وتوثيق علاقته بالقرآن كمنهج حياة. إذ أن النية لا تقف عند حدود الحصول على الأجر فحسب، بل تمتد إلى ترتيب علاقة الإنسان بالله وبالقرآن في كل شأن من شؤونه. هذه الرؤية تجعل من “التجارة مع الله” ليست مجرد مبدأ أخلاقي، بل نظام يربط القول بالعمل، والعلم بالعمل الصالح، والجسد بالروح. كما يبرز أن القرآن ليس مجرد كلام يُتلى، بل دستور للعيش وأداة للشفاء ووسيلة للوصول إلى الله والتقرب منه. بهذا المعنى، تتحول القراءة إلى سلوك يومي، يوازن بين الاستفسار العلمي والتطبيق الأخلاقي، ويُشعر قارئه بأنه جزء من جماعة روحية تحمل رسالة الكتاب وتؤدي أمانة الله إلى أن تكون الحياة أفضل.
التجارة مع الله في الثمرات اليومية والآخرة
ولأن النية هي المحرك، فإن أثر القراءة يتجلى في الحياة اليومية وفي الآخرة معًا. يورد الحديث الذي يحث على الترتيل والاتباع، وهو أمر يضفي على القراءة بعدًا عمليًا ينعكس في التصرفات والاقتراب من الخير، وفي النهاية يرتقي إلى العدل والمساهمة في رفع أمة كاملة. هذه الصورة تؤكد أن القرآن ليس منفصلة عن الواقع بل هو ركيزة لحياة الإنسان، ومن ثم فإن التجارة مع الله لا تقتصر على الثواب الجزافي، بل تتسع لتشمل الشفاعة والرفع في درجات الجنة، وتذكير الآخرين بالنهج النبيل في التعامل مع النص المقدس. كل ذلك يجعل من القراءة بنية صحيحة، وجهةً روحية تترجم إلى حياة أفضل وتدفع الإنسان لأن يكون من أهل الله وخاصته.
أثر النية الصادقة على مطالب الحياة المعاصرة
إذا نظرنا إلى عينة النوايا المذكورة، نجدها تشترك في هدف واحد: جعل القرآن مرجعًا حيًا في التفكير والسلوك والتفاعل مع المجتمع. وبغض النظر عن الاختلاف في تفاصيل النوايا، تتجمع في النهاية حول فكرة مركزية وهي أن التجارة مع الله تقود صاحبها إلى العلم والعمل، إلى الهداية والمناجاة، إلى الشفاء والطمأنينة، إلى الشرف والرفعة في الدنيا والآخرة. إن هذه النية المتعددة الأطراف تفتح باب التكامل بين القراءة كفعل عبادي والقراءة كمفتاح للحياة، وبذلك يتحقق المعنى العميق للقرآن كمنهج حياة يومي، لا يقتصر على المساجد والصلوات وإنما يتعداه إلى كل ركن من أركان الحياة.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.















































































































