كتبت: إسراء الشامي
أثارت مسألة إنهاء الحياة الزوجية في حال وجود خلافات في المشاعر بين الطرفين سؤالاً تلقاه أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية من أحد ذوي الهمم. يقول السائل: “أنا عايز أطلق مراتي بس مش عارف التصرف ده صح ولا لا، لأنها بتزعل على طول وبتسيب البيت، ومش بتديني نفس المشاعر والاحتياجات، فهل الطلاق هو الحل؟” في ردّه، أكد الشيخ محمد كمال، أمين الفتوى، أن الطلاق ليس خياراً أولياً، وأنه من الواجب على الزوج التفكير في الصلح والمحاولة بالحسنى قبل أي قرار حاسم. وأشار إلى أن الله تعالى جعل الزواج سكنًا ورحمة كما في قوله سبحانه: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”، وهو ما يربط بين الاستقرار الأسري وواجب الرعاية الذي لا يجوز أن يقف عند الحدّ. كما استشهد بقول النبي ﷺ: “كفى بالمرء إثمًا أن يضيّع من يقوت”، ليؤكد أن الحفاظ على الأسرة وتوفير العناية اللازمة للزوجة يقع ضمن الواجبات الشرعية وليست منّة يمكن التراجع عنها بسهولة. يبرز أيضاً أن خروج الزوجة من بيتها دون إذن زوجها محظور شرعاً، إلا بعذر معتبر، وأن هناك نطاقات للاتفاق بين الزوجين بمنح إذن خروج عام ضمن حدود يرضى الطرفان بها. وفي هذا السياق، يلفت أمين الفتوى إلى أن تقصير الزوجة في حقوق زوجها يُؤثمها شرعاً، لأن طاعة الزوج من الحقوق التي أمر بها الدين، مستحضراً قول النبي ﷺ: “إذا صلّت المرأة خمسها وصامت شهرها وأطاعت زوجها دخلت الجنة من أي أبوابها شاءت”. وعلى ضوء ذلك، يبرز أن مسؤولية الرجل في هذه المسألة تتجاوز قرار الطلاق ليشمل احتواء الزوجة وبحث الأسباب التي قد تدفعها إلى ترك الحوار، فقد تكون هناك سوء فهم أو أسلوب تواصل غير مناسب. وفي تواصلنا مع نص الفتوى، يوضح أمين الفتوى أن المطلوب هو البحث عن الأسباب الكامنة وراء الخلاف ومعالجة مشاعرهما بطريقة بناءة، مع الإقرار بأن الخير في الرجل أن يكون خيراً لأهله كما قال النبي ﷺ: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”.
رأي أمين الفتوى: الطلاق ليس الحل الأول
يرى أمين الفتوى أن الطلاق ليس خياراً يقوم به المرء كإجراء أول في مواجهة الخلافات الزوجية. البلاغة الشرعية هنا تدعو إلى ربط القرار بالحالة الواقعية والنية الصادقة في الإصلاح، لا كونه ردة فعل سريعة أو سهلاً يسلكه بعض الأزواج. في هذه الفتوى، يُفهم أن الحفاظ على الأسرة وتوفير السكن والرحمة شروط أساسية يجب أن تكون حاضرة قبل التفكير في أي فصل نهائي. فالزواج في الإسلام ليس عقداً بسيطاً، بل مؤسسة اجتماعية ذات أبعاد رحمية وبناء حضاري يتطلب صبراً وحلولاً حكيمة. وهذا المنهج يُظهر أن الفتوى تدعو إلى اتباع أساليب الحوار والإصلاح حتى لو تطلب ذلك وقتاً وجهدًا، وأن الحلول السطحية لا تعالج جوهر المشكلة ولا تضمن استمرارية الحياة المشتركة.
الزواج سكن ورحمة: أسس قرآنية وحديثة
يستند كلام أمين الفتوى إلى أساسين قرآني ونبوي يربطان الزواج بالسكن والطمأنينة والرحمة. فالآية الكريمة التي تكرّس قيمة العلاقة تقول: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”. وهذا يفسر كيف أن الزواج ليس مجرد ارتباط اجتماعي بل مساحة تربوية تغذيها المودة والرحمة وتؤسس لبيئة أسرية آمنة تتيح الحوار والتفاهم والمشاركة في المسؤوليات. وفي السنة النبوية، يؤكد النبي ﷺ أن حسن التربية والحقوق المشتركة بين الزوجين هي ضمانة مبكرة لاستمرار الحياة الزوجية، ما يجعل فكرة الطلاق كخيار وحيد بعيدة عن مبادئ الإسلام التي تحث على حفظ الأسرة وصونها. كما تُبرز الفتوى أن الإنفاق والرعاية من الواجبات وليس منة، وهو ما يعزز مفهوم المسؤولية المشتركة وتوزيع الأدوار بما يحفظ توازن الأسرة.
حقوق الزوج وواجباته وفق الشرع
تشير الفتوى إلى أن خروج الزوجة من بيتها دون إذن زوجها غير جائز شرعاً، إلا إذا كان هناك عذر معتبر، وهو مبدأ يحفظ النظام الأسري ويقوّي الثقة المتبادلة في العلاقة. كما يذكر أن بعض الأزواج يمنحون زوجاتهم إذن خروج عام ضمن حدود الاتفاق وبالاتفاق المتبادل، وهو أمر جائز بالتراضي بين الطرفين. وفي سياق واجبات الزواج، توضح الفتوى أن تقصير الزوجة في حقوق زوجها يُؤثِمها، لأن طاعة الزوج هي من الحقوق التي أمر بها الشرع. وفي إرشاد عملي، يضيف أمين الفتوى أن مسؤولية الرجل لا تنتهي عند توفير البيت فحسب، بل تشمل احتواء الزوجة وفهم مشاعرها والبحث عن حلول عملية للخلافات التي قد تنشأ نتيجة سوء فهم أو سوء تواصل. وهذا التوجيه يؤكد أن الالتزام بالحقوق والواجبات ليس تفاوتاً بل نظام متكامل يحفظ الأمان والاحترام.
نقاط مهمة حول خروج المرأة من بيتها وإدارة الخلاف
تؤكد الفتوى أن الخروج من المنزل بحاجة إلى إذن أو عذر معتبر، بما يحافظ على استقرار الأسرة ويحمي الحقوق المشتركة. في حال وجود خلاف، يجب أن يتمسّك الطرفان بالحوار البنّاء وعدم اللجوء إلى الإجراءات التي قد تفاقم المشكلات أو تسبّب جروحاً عاطفية عميقة. كما يحث النص على البحث عن أسباب رفض الحوار، فقد يكون هناك سوء فهم في طريقة التواصل أو اختلاف في التوقعات. وتؤكد الفتوى أن الحفاظ على كرامة الطرفين وبناء جسور التواصل هو العنصر الأساسي في التعامل مع الأزواج متى واجها مثل هذه المسائل. وفي هذا الإطار، يحث أمين الفتوى على التفكير في البدائل الشرعية والإنسانية التي تسمح باستمرار الحياة الزوجية وتجنب التشتت الأسري.
طرق الحوار وتجنب الخلل الأسري وفق الرؤية الإيمانية
أشار أمين الفتوى إلى أن على الزوج أن يحتوي زوجته وأن يبحث عن الأسباب التي تجعلها تترك البيت أو ترفض الحوار، مع الإقرار بأن قد يكون هناك سوء فهم أو أسلوب تواصل خاطئ. وفي إطار البحث عن حل، أكد أن الخير في الرجل عندما يكون لبقاً في التعامل مع أهله، بما يتضمن الاستماع الجيد وتحديد المشكلة بوضوح، وتبادل الكلمات الطيبة والمدح المتبادل الذي يجدد المودة ويقوّي العلاقة الأسرية. وهذا النهج مستلهم من التعاليم النبوية التي تشدد على نعمة السكينة والرحمة في الأسرة وتؤكد أهمية الحوار المستمر كآلية لتخفيف التوتر وتجنب الانفصال في وقت مبكر.
نصائح عملية للزوجات للحفاظ على البيوت وفق توجيهات الأمين
وجهت الفتوى نصائح عملية موجّهة للزوجات الراغبات في الحفاظ على بيوتهن. تشدد النصائح على أهمية جلسة هادئة وصادقة مع الأزواج، تقوم على الاستماع الجيد وتحديد المشكلة بوضوح، وتبادل الكلمات الطيبة والمدح المتبادل الذي يعيد إشعال المودة. كما تؤكد على أن الحوار البنّاء ينبغي أن يركّز على فهم الاحتياجات المتبادلة وتقدير الجهود التي يبذلها كل طرف، وأن طلب العون من أهل الاختصاص أو من أفراد الأسرة يساعد في تقديم رؤى جديدة لحلول واقعية. وهذا النهج يعكس توصية النبي ﷺ بأن تكون المعاملة بين الأزواج قائمة على الاحترام والرحمة، وأن يتحول الخلاف إلى فرصة لتعزيز التواصل وبناء الثقة من جديد.
إرشادات ختامية من رأي أمين الفتوى حول العلاقة الزوجية
تختتم الفتوى بتوجيه عملي يعزز من أهمية الصبر والتقوى في الحياة الزوجية وفق التعاليم الإسلامية. فمبدأ العطاء والتضحية من أجل الأسرة يظل من أبرز عناصر الاستقرار، وهذا ما يعززه القول الشريف: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”. وتوضح الرؤية أن التقوى ليست مجرد عبادة فردية، بل ممارسات يومية تبني جسور الثقة وتدفع نحو إصلاح الخلل قبل اللجوء إلى خيارات قد تكون فاجعة على الأسرة. وبناءً على ذلك، تُشدد الفتوى على أن الطلاق ليس مجرد خطوة، وإنما قرار نهائي يترك آثاراً عميقة تستلزم التفكير الهادئ والتدقيق، مع التمسك بالحوار والحلول الحسنة كمنهج أساسي للحفاظ على الأسرة وبناء حياة أكثر استقراراً ورحمة.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.















































































































