كتبت: بسنت الفرماوي
أقر مجلس الأمن الدولي يوم الخميس قراراً يقضي برفع العقوبات عن أحمد الشرع، الرئيس السوري، ووزير الداخلية أنس خطاب، في خطوة وصفتها أوساط دبلوماسية بأنها تحوُّل دبلوماسي لافت في المقاربة الدولية تجاه دمشق بعد سنوات من العزلة بين المجتمع الدولي ونظامها. جاء القرار تتويجاً لسلسلة من المساعي التي ניסرتها واشنطن على وجه الخصوص لإعادة تقييم بعض القيود المفروضة على أشخاص بعينهم، ضمن إطار يهدف إلى فتح أبواب حوار سياسي وإنساني أوسع مع دمشق. وتؤشر هذه الخطوة إلى تغير في المزاج الدولي وتهيئة مناخ يسمح بتجاوز بعض خطوط التوتر المرتبطة بالنزاع السوري المستمر منذ سنوات.
آفاق رفع العقوبات عن أحمد الشرع وتداعياتها الدولية
يتعامل المحللون مع هذا القرار كإشارة سياسية مهمة من الدول الكبرى إلى إمكانية تخفيف وطأة القيود الموضوعة على شخصيات محددة، في مقابل شرط واضح هو أن يخضع أي مسار للمراجعة والرقابة المناسبة لضمان استمرار المسار السياسي وتناول الملفات الإنسانية والإنمائية المصيرية، وخاصة فيما يخص اللاجئين والمساعدات الإغاثية وإعادة الإعمار المحدودة. ويرى كثير من المتابعين أن رفع العقوبات عن أحمد الشرع يمثل نقطة تقاطع بين المطالب الإنسانية ومسارات التعاون السياسي، وهو ما قد يفتح الباب لتعاون أقوى في قضايا اللاجئين وتقديم المساعدات وتحريك بعض جسور التعاون بين دمشق وشركائها الدوليين. هذا التطور يأتي بينما يبقى إطار العمل وتوازناته السياسية الحساسة حاضراً في المشهد، حيث تعتبر العواصم الكبرى أن أي انفتاح مشروط يتطلب التزاماً واضحاً من دمشق بإجراءات بنيوية بالغة الدقة في مجالات حقوق الإنسان والمساءلة والشفافية. وفي هذا السياق تبرز مسألة أن تخفيف القيود على شخصيات بعينها ليس سوى جزء من إطار أوسع يهدف إلى تمهيد بيئة تسمح بحوارات أوسع نطاقاً، لا سيما في الملفات الإنسانية، واللاجئين، وإعادة الإعمار، مع إيلاء الأولوية لآليات رقابية وتقييمية تقود إلى نتائج ملموسة. كما أن هذا التوجه يعكس تغيراً تدريجياً في المزاج السياسي الدولي تجاه دمشق، حيث يتبدل الإطار العام من العزلة إلى أفق مفتوح نسبياً للمبادرات الدبلوماسية، وفقاً لتوازنات إقليمية ودولية جديدة تشكلت في سياق صراعات المنطقة وبروز خطوط تفاهم قد تكون أكثر قابلية للنفاذ من خلال قنوات متعددة.
مسار القرار وآليات التصويت في مجلس الأمن
تشير المعطيات إلى أن تمرير القرار في مجلس الأمن لم يكن خياراً عشوائياً، وإنما نتيجة مسار دبلوماسي يفرض وجود توافق نسبي بين أعضاء المجلس. فتنفيذ القرار يتطلب موافقة تسعة أعضاء من أصل خمسة عشر، مع شرط حاسم هو ألا تُستخدم حق النقض (الفيتو) من جانب الدول الخمس دائمة العضوية: الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، وبريطانيا. وهذا يعني أن القرار يمكن أن يمر إذا لم يعترض عليه أي من هذه الدول الخمس، وهو سيناريو يعكس توازناً دبلوماسياً دقيقاً في اللحظة الراهنة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن نقاشات مجلس الأمن جرت في أجواء يصفها بعض المراقبين بأنها هادئة لكنها حساسة، نظراً للطابع السياسي المعقد للعقوبات المفروضة على الحكومة السورية منذ اندلاع النزاع في عام 2011. وفيما يتعلق بإجراءات التموضع السياسي للمجموعة الدولية، جرى تهيئة القرار في أجواء من الترقب الحذر، حيث حاول الطرف الأمريكي تحسين صورة المسار عبر عرض خطوات ملموسة تقود إلى تخفيف محدود للعقوبات. وتُظهر قراءة هذه المعادلة أن المجتمع الدولي يحاول في هذه المرحلة إعادة تشكيل مسارات التعاون مع دمشق ضمن إطار يجمع بين الإنفاذ الرقابي والمرونة السياسية، بغرض فتح قنوات تواصل جديدة مع الجهات السورية الرئيسية بعيداً عن خطوط العزلة التقليدية.
التأثير المحتمل على دمشق والمجتمع الدولي
من منظور تحليل العلاقات الدولية، يُنظر إلى رفع العقوبات عن أحمد الشرع كإشارة سياسية ذات دلالات عميقة في مسار العلاقة بين دمشق والمجتمع الدولي. فمع أن القرار يفتح نافذة مفتوحة نسبياً لإعادة ترتيب بعض قنوات الحوار، فإنه في الوقت نفسه يضع دمشق في موقع يتطلب منها التزاماً بالعناوين الأساسية للمسار السياسي، بما في ذلك الشفافية في عمل المؤسسات وتحسين ظروف العمل الإنساني. ويُرتقب أن يُترجم هذا التطور إلى نوع من إعادة هيكلة التفاعل الدولي مع دمشق، بما يتيح مساحة أوسع لتبادل وجهات النظر في ملفات اللاجئين والمساعدات الإنسانية وإعادة البناء المحدود، وهي الملفات التي ظلت مدار جدل ونقاش على مدى سنوات. وفي إطار التوازنات الإقليمية والدولية، يُتوقع أن تلتقط واشنطن ومعها حلفاؤها إشارات عن إمكانية مد جسور تعاون تفاوضي مع دمشق، وهو ما قد يسهم في إطلاق سلسلة من التفاهمات التي تدار تحت رعاية إقليمية ودولية، وتتيح لدمشق الاستفادة من مسارات دعم جديدة. وفي هذا السياق، يعزز القرار احتمالات أن تكون هناك مرحلة جديدة من التواصل الأميركي-السوري، تكون أكثر وضوحاً مع مرور الوقت، مع وضع آليات رقابية ومراقبة دقيقة لضمان السير في إطار تخفيض محدود للقيود، وتجنب أي انزلاق يؤدي إلى تقويض مسار الحل السياسي.
زيارة الشرع إلى واشنطن وتداعياتها السياسية
ومن بين أبرز التطورات المتوقعة أن يكون لزيارة أحمد الشرع إلى واشنطن مكانة بارزة، إذ يُتوقع أن تكون هذه الزيارة أول تواصل مباشر من هذا المستوى منذ أكثر من عقد من الزمن. وتُعد هذه الزيارة في كثير من القراءات خطوة ذات دلالات ملموسة على رغبة المجتمع الدولي في فتح قنوات حوار قد تمهد إلى تفاهمات سياسية أوسع، لكنها تبقى في إطار مرهون بآليات وضوابط وخطط محددة. يُنظر إلى هذه التحركات كإشارة حذرة إلى أن الطريق نحو تفاهمات أوسع قد يبدأ بخطوات عملية على الأرض، وتحديداً في الملفات الإنسانية واللاجئين والإعمار، مع التزام دمشق بإطار الشروط والسياسات التي ستُحدد لاحقاً. وفي سياق إعادة تموضع القوى الدولية في المنطقة، قد تكون زيارة الشرع إلى واشنطن بمثابة محطة لنقاشات جديدة حول أدوار دولية محتملة في رعاية أو تسريع مسار الحلود السياسية وفتح قنوات تواصل مفتوحة مع واشنطن وشركائها.
توازنات جديدة في الملف السوري وتوقعات المرحلة المقبلة
تنفتح أمام دمشق ومساراتها الدولية أفق متغير يفرضه هذا التطور الدبلوماسي، حيث تشكل هذه الخطوة جزءاً من سياق أوسع يشهد إعادة توزيع للأولويات والضغوط والفرص. ستظل الملفات الإنسانية واللاجئين وإعادة الإعمار على رأس الأولويات، مع السماح في الوقت نفسه بمسارات نقاش أكثر وضوحاً حول سياسة دمشق وموقفها من آليات المساءلة والشفافية. وفي هذا الإطار، من المرجح أن تعمل القوى الكبرى على تهيئة مناخ يتيح لدمشق التنقل بين سلسلة من التفاهمات التقنية والسياسية، مع استعداد تلك القوى لضمان أن أي تقدم سياسي سيكون مدعوماً بإجراءات ضبط وشفافية واضحة وملتزمة. وبقدر ما تفتح خطوة رفع العقوبات عن أحمد الشرع باباً لإحياء العلاقات الدولية المحكومة بتوازنات إقليمية ودولية، فإنها أيضاً تضع دمشق أمام اختبار جدّي في مدى التزامها بالشروط التي ستُطرح مستقبلاً، وما إذا كانت هذه الالتزامات ستسفر عن نتائج ملموسة في المسائل الإنسانية وإعادة البناء، أم تبقى في إطار وعود سياسية عامة دون ترجمة عملية على الأرض.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.














































































































