كتب: أحمد عبد السلام
يتردد في بعض الأوساط الحديث عن عدية يس كآلية من آليات الدفاع عن الحقوق، حيث يعمد بعض المظلومين إلى قراءة ما يُعرف بـ عدية يس بنية الانتقام من الظالم لاسترداد الحقوق. هذا المسلك يثير جدلاً حول مشروعيته ومواقفه الشرعية، خصوصاً في ضوء أسئلة عن مدى توافقه مع ثوابت الدين ومفاهيمه الأساسية. وفي ضوء هذا الجدل، وجَّهت دار الإفتاء المصرية سؤالاً إلى أهل العلم حول حكم قراءة عدية يس للإضرار بالآخرين، لت بيّن موقف الدين من الممارسة وتوضح حدود القراءة والنية في سياق القرآن الكريم. وتؤكد هذه المعالجة أن القرآن الكريم بذاته رسالة رحمة وهداية، وأن مقاصد الشريعة تكرِّس العفو والصفح وتدعو إلى المحبة والعدل قبل أي استغلال للنصوص أو استدرار الحقوق بشكل يضر الآخرين.
عدية يس وموقف الشريعة منها
تؤكد الأطر الشرعية أن عدية يس لا يجوز تلاوتها بنية الإضرار بالناس، فالمقصود ليس إيذاء الآخرين وإنما الربط بين قراءة السور والتوجه بنية مشروعه في الحياة. فالقرآن الكريم جاء في أصله رحمة وهداية، وهو مصدر للطمأنينة ولتيسير الأمور وليس للإضرار أو الإيذاء بالناس. وفي إطار هذا التوجيه القرآني، يبرز أمر قرآني صريح يحث على العفو والصفح كسبيل للوصول إلى ما يأمر الله به من الخير: فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ. كما أن تفسير هذا الإطار يرسّخ أن القلوب ينبغي أن تكون محمولة بالحب والرحمة، وأن العنف أو الانتقام ليسا من آداب التعامل مع الظلم في الديانة الإسلامية.
فتاوى دار الإفتاء حول عدية يس
أوضحت دار الإفتاء المصرية في فتوى منشورة أن عدية يس لا يجوز تلاوتها بنية الإضرار بالناس. وبيَّن المفتي الأسبق الدكتور علي جمعة أن سورة يس تُتلى بنية جلب الشفاء وتيسير الأمور وهداية العباد وفك الكروب، وهو مقصد نبيل يتسق مع مقاصد القرآن التي تسعى إلى ربط الإنسان بخالقه وبإرادته السامية. كما أشار إلى أن القرآن جاء رحمة وهداية وأن الله أمر بالعفو والصفح، داعياً إلى ملء القلوب بالحب والرحمة بدل التربص أو العنف. وفي إطار تفصيلات الفتوى، أشار جمعة إلى أن عدية يس لم تُدرّس في الأزهر الشريف، ولم يقرأها أحد من العلماء أمامه، موضحاً أن المقصود من القول “يس لما قرئت له” هو قراءة السورة ثم الدعاء بحاجات مشروعة مثل دخول الجنة أو حفظ القرآن، وليس التلاعب بنص القرآن للإساءة أو الإيذاء.
النوايا المقدَّمة للقراءة بنية الخير
أكّد الشيخ محمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء، أن القرآن نزل للتزكية والهداية لا للإيذاء أو الإضرار بالناس. وقال في ردّه على سؤال حول قراءة عدية يس على الظالم: “سورة يس قلب القرآن، وجاء أنها لما قرئت له، فإذا قرئت بنية صالحة استجاب الله تعالى.” وأوضح أنه يمكن قراءة سورة يس بنية أن يحفظ الله الإنسان أو يشفيه أو يرد له حقه أو يصرف عنه الأذى، بشرط أن تكون النية موجهة إلى الخير وليس إلى الإهلاك أو الضرر، فكلما قصد القرآن الخير صرف الله به الشر. كما أشار إلى أن استخدام القرآن للإيذاء ليس من مقاصد القرآن ذاته، وأن استشعار النية الخيرة يجعل القراءة سبباً للخير لا للضرر.
التوجيهات الشرعية في مقام الظلم والدعاء
أما الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء، فبيّن أن بعض الناس لا يتحمَّلون الظلم بشكل يتعاملون معه بالحزم، وأن الدعاء على الظالم قد شرع للمظلوم ويدعو إلى استجابة الله، فيقولون: “حسبنا الله ونعم الوكيل”. لكنه شدد في الوقت نفسه على أن عدية يس لا أصل لها، وليست موضعاً ثابتاً في الدين، وإنما هي أمر جارٍ على ألسنة الناس ولم يرد به نص من رسول الله، وأن الأفضل دائماً هو العفو. وفي هذا السياق، أضاف الشيخ محمد وسام تأكيداً آخر بأن قراءة يس بنية الخير مستحبة، وأن القرآن عندما يُقرأ بنية صالحه يكون قريناً لصرف الشرور ودفع الأذى ورد الحقوق بطرق مشروعة، لا للإفساد أو الإضرار بالغير.
المبدأ الشرعي العام للنوايا والقرآن
يتناول الحديث هنا الرؤية الكلية التي يطرحها عدد من كبار العلماء حول استخدام القرآن بنية صالحة. فقد أكّد محمد وسام من دار الإفتاء أن قراءة سورة يس بنية الخير تُعد مقبولة ومحبَّذة، وأن النص القرآني حين intention يُسهم في حفظ الإنسان وشفائه ودفع الظلم ورد الحقوق بشرط أن تبقى النية في إطار الخير والعدل، وليس للإساءة أو الإهلاك. وتؤكد هذه الرؤية أن النية جزء لا يتجزأ من فقه القراءة القرآنية، وأن القرآن عندما يُستعمل لتحقيق الخير يقي من الشر، في حين أن الإيذاء وإساءة الاستخدام لا ينسفان حقيقة القرآن ككتاب هداية ورحمة. وفي هذا الإطار، تُبرز الفتاوى أن العودة إلى قيم العفو والصفح والتماس السبل المشروعة لاسترداد الحقوق هي الطريق الأمثل، وأن الانزلاق إلى قراءة عدية يس بنية الانتقام قد يفضي إلى اختلال أخلاقي وشرعي يخرج عن نطاق مقاصد القرآن.
خلاصة الرؤية الشرعية: النية والخير قبل الإيذاء
يمكن استخلاص موقف متماسك من النقاش الدائر حول عدية يس عبر مجموعة من النقاط الأساسية: أولا، لا يجوز تلاوتها بنية الإضرار بالغير، فالمقصود من القرآن هو العون والهداية، لا الإيذاء أو الانتقام. ثانياً، قراءة سورة يس بنية الخير مقبولة ومشروعة عندما تكون غايتها حفظ النفس أو شفاءها أو رد الحقوق أو دفع الأذى، مع الالتزام بحسن النية وطرق الدعاء المشروعة. ثالثاً، لا أصل لعدية يس كعمل ثابت في الدين، وهي من الألفاظ المتداولة دون سند شرعي قوي من المصادر المعتمدة، وإنما ينبغي الاقتصار على العفو والتسامح كنهج أساسي في مواجهة الظلم. رابعاً، في منطقة الظلم والدعاء، يبقى خيار الدعاء الموثوق وصيغة التوكّل على الله مثل “حسبنا الله ونعم الوكيل” حاضراً، مع التأكيد على أن القرآن يفتح أبواب الخير عندما يُقصد به الخير ولا يفضي إلى إزهاق الأرواح أو الإضرار بالآخرين. وفي هذا السياق، يظل موقف كبار العلماء واضحاً: النية هي المحرك الأساسي، والخير هو الهدف الأكبر، والعدالة الشرعية تقود إلى المسالك المشروعة لاسترداد الحقوق دون تجاوز لأحكام الدين.
أن هذه المواقف مجتمعة تشكّل إطاراً واضحاً يوازن بين حق المظلوم في السعي عن حقوقه، ومسؤولية المسلم في استخلاص الحكم من النصوص بصورة تراعي الرحمة والعدل وتبتعد عن الإيذاء أو الاعتماد على وسائل غير مثبتة شرعاً. وهذا ما ينعكس في حثّ دار الإفتاء والواعين من أهل العلم على العفو والصفح، وتأكيد أن القراءة القرآنية تكون وسيلة للخير وليس أداة للضرر.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.















































































































