كتبت: بسنت الفرماوي
في سياق نقاش تربوي حول مستقبل الأطفال في مواجهة واقع السوشيال ميديا، شدد الدكتور أيمن أبو عمر، وهو من علماء وزارة الأوقاف، على أن منع الأطفال كلياً من التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي ليس هو الحل المنطقي في عصرنا الرقمي. وأوضح أن التجارب السابقة مع التلفزيون والقنوات الفضائية أظهرت أن المنع غالباً ما يؤدي إلى زيادة الرغبة في المحظور، وأن الطفل قد يلجأ إلى مصادر بديلة عبر الجيران أو الأصدقاء حين يحكم عليه بالحظر المطلق. ثم أضاف أن الحل ليس في المنع بل في التربية على وعي يميّز بين المسموح والممنوع، مع غرس رقابة داخلية تقود الطفل إلى مراعاة الله في كل موقف. كما أكد أن الأهل لا يمكنهم متابعة أبنائهم ليلًا نهارًا، لذلك ينبغي زرع فكرة أن الإنسان مسؤول عمّا يسمع ويرى ويقول، مستشهدًا بآية قرآنية تحثّ على العلم وتحذر من الدخول فيما ليس للإنسان به علم. وتابع بأن السمع والبصر والقلب جميعها ستكون مسؤولة أمام الله عن أعمال الإنسان الرقمي اليومي.
التربية بالوعي والرقابة الذاتية كنهج تربوي
تُطرح فكرة أساسية تقود السلوك الأسري في فضاء السوشيال ميديا، وهي أن التربية بالوعي والرقابة الذاتية تمثل إطاراً تربوياً أقوى من أي حظر تقليدي. يرى الدكتور أبو عمر أن التربية بالوعي والرقابة الذاتية ليست مجرد بديل مؤقت، بل هي منطلق يمنح الطفل قدرة على التمييز بين ما هو مقبول وما هو مرفوض ضمن المحتوى الرقمي. في هذا السياق، يبرز أهمية زرع ضمير حي داخلي لدى الطفل، يذكّره دائماً بأن الله يراه ويسمعه ويراقبه في كل تصرف، وهذا ما يعزز سلوكه الذاتي ويقلل من الاعتماد على مراقبة خارجية مستمرة من الأسرة. والأهم أن التوعية المبنية على الوعي الخيري والواجب الديني تكسب الطفل قدرة على اتخاذ قرارات ذاتية تتوافق مع قيم الأسرة والمجتمع دون أن تفقده حرية التفاعل مع العالم الرقمي بصورة مسؤولة.
إجراءات عملية لتعزيز الوعي الرقابي
اقتراحات الدكتور أبو عمر ليست شعارات نظرية، بل إجراءات يمكن تطبيقها في المنزل وتدريجياً حتى لا يتحول اللقاء مع المحتوى الرقمي إلى صراع يومي بين الأبناء والآباء. من بين هذه الإجراءات: الاستماع مع الولد لما يشاهده، ثم مناقشة المحتوى بهدوء وواقعية. يقول: اسمع معاه وقل له هذا صحيح وهذا خطأ. هذه الوقفات الحوارية تفتح باباً للثقة بين الطرفين وتُسهم في بناء فهم عميق للمسؤولية عن ما يُستهلك من محتوى. كما يؤكد أهمية تنمية وعي قائم على الرقابة الذاتية لا الرقابة الخارجية وحدها، بما يعني أن يزرع الأبوان لدى الطفل قيمة أن يعلم أن الله يراه ويسمعه، وبالتالي يمتنع تلقائياً عن الانخداع بمحتوى ضار قبل أن يتدخل الوالدان. هذه المقاربة لا تقضي على الحاجة إلى توجيه واضح، لكنها تعزز لدى الطفل قدرة الاستفسار والفهم قبل اتخاذ موقف أو إجراء.
المشاركة والتواطؤ مع المحتوى السيئ وأثره على المسؤولية
حذر أبو عمر من مخاطر المشاركة أو التواطؤ مع محتوى سيئ، قائلاً إن الإعجاب أو النشر أو السكوت أمام محتوى مؤذ يجعل الإنسان شريكاً في الذنب. يربط هذا الجانب الروحي بالسلوك الرقمي اليومي، موضحاً أن المشاركة في المحتوى المسيء تعكس قيمة الأخلاق والضمير وتؤثر في محصلة السلوك الفردي أمام الله والناس. وفي إطار التوعية الأخلاقية، يشير إلى آيات القرآن التي تُنهى عن السخرية والاستهزاء وتدعو إلى عدم الجلوس مع من يسخر من آيات الله، وهو موقف يعزز فكرة التربية الهادئة التي تقود إلى الوعي والرقابة الذاتية بدلاً من المنع المطلق. بهذا الشكل، يتحول الفعل الرقمي من مجرد تلاعب أو استجابة لحالة مؤقتة إلى سلوك بعيد المدى يتسق مع قيم الدين والضمير الإنساني.
أطر دينية وتربوية لدمج الوعي الرقابي في الحياة اليومية
يبرز من خلال حديث الدكتور أبو عمر أن التربية في البيت تحتاج إلى إطار ديني يدمج بين العلم والعمل، بين الثقافة الرقمية وبين القيم الأخلاقية. فالمسألة ليست فقط ضبط ساعات التصفح أو وضع فلاتر، بل بناء منهج تربوي يستند إلى وعي داخلي يحفّز الابن على الالتزام، ويفتح باب الحوار حول ما يشاهده وما يسمعه من محتوى، ويتيح له فرصة التعبير عن الاستفسارات والشكوك بشكل صحي. في هذا السياق، تشدد الدعوة على أن الرقابة الذاتية تبدأ من تربية الطفل على مفهوم المساءلة الشخصية أمام الله، وأن الطفل عندما ينشأ وهو يحس بأن تصرفاته تُراقب من ضميره الداخلي يختلف سلوكه عن ذلك الذي يسهل عليه الانخراط في محتوى غير لائق. وبناءً عليه، يصبح الاباء شركاء في بناء وعي أبنائهم بدلاً من مجرد جهة تمنع وتفرض قيود، ما يعزز الثقة ويعزز الالتزام بالقيم الإسلامية والإنسانية في آن واحد.
خلاصة التطبيق الأسري في عصر السوشيال ميديا
تستدعي هذه الرؤية أن يتحول الحوار بين الآباء والأبناء إلى عادة يومية وليس إلى استثناء عند ظهور مشكلة. فالتربية بالوعي والرقابة الذاتية لا تعني تصحيحاً من خارج الطفل فحسب، بل إن جوهرها يعتمد على تشكيل ضمير داخلي يحكم السلوك ويحد من الانزلاق نحو المحتوى الضار. مع ذلك، يبقى للمنهج التربوي في المنزل أن يوازن بين الحرية والمسؤولية، ليضمن للطفل أن يظل مشاركاً إيجابياً في عالم السوشيال ميديا، بعيداً عن السيطرة القسرية وبعيداً عن الإهمال الذي يتركه دون توجيه. وفي نهاية المطاف، يظل الأساس أن التربية الهادئة القائمة على الوعي والرقابة الذاتية هي الطريق الأكثر اتزاناً في بناء جيل قادر على التمييز واتخاذ قرارات مسؤولة أمام العالم الرقمي.
–
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.















































































































