كتبت: بسنت الفرماوي
أكد رئيس أركان جيش الاحتلال، اللواء إيال زامير، خلال اجتماع المجلس الوزاري الأمني المصغّر (الكابينت)، أن موقف الجيش من المحتجزين في رفح واضح وثابت: لا مفاوضات مع الإرهابيين المحتجزين في رفح، فالأولويات التي حددها الجيش تقضي بتعاظم الخيار بين الاستسلام أو القضاء عليهم. وفي معرض توضيحه للموقف المرن من حيث الإجراءات اللازمة عند استسلام المحتجزين، أشار إلى أنه في حال قرر هؤلاء الاستسلام فسيُحتجزون لإجراء تحقيقات، وهو أمر يعبّر وفق تعبيره عن واقع أمني صارم يتطلب التثبت من الموقف والهدف، وأنه في سياق هذه التصريحات سيتم التعامل مع المتغيرات وفقاً للخطة المقرّرة. كما أضاف بشكل ساخر أن هؤلاء المحتجزين قد يُقادون بملابسهم الداخلية إلى حقل في اليمن لتوضيح مسار التحقيق، وهو تعبير كناية عن طبيعة الإجراءات النافية لأي شكل من أشكال التسهيلات أو الرضوخ لطلبات التفاوض. ونبّه في الوقت نفسه إلى أنه لا يجوز الانتقال إلى أي مرحلة لاحقة من أي تفاهم أو صفقة قبل عودة جميع المختطفين، كما شدد على ضرورة عدم السماح ببدء إعادة إعمار القطاع قبل نزع سلاحه. هذه التصريحات تعكس فحوى موقف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من تطورات الوضع الميداني وتؤكد أن أطر التعامل مع المحتجزين والمعنيين بالأسرى تقف عند خطوط حمراء صارمة لا تقبل التفاوض في هذا الشأن. وفي الخلفية، تبرز مسألة مناخ الأمن الداخلي الأوسع الذي يواكب الحرب في غزة، حيث تتعاظم الضغوط على الجهاز العسكري والسياسي في إسرائيل من أجل بلورة استراتيجية متوازنة بين الرد العسكري وضبط التداعيات السياسية والإنسانية.
تصريحات رئيس الأركان حول المحتجزين في رفح
أوضح اللواء زامير أن قرارات الجيش جاءت بعد تحليل دقيق للوضع، وأن المبدأ الأساسي هو أنه لا مكان للمفاوضات مع المحتجزين في رفح. ربط الحديث بمفهوم الاستسلام مقابل إنهاء التصعيد العسكري، مع التوكيد أن أي خيار يتطلب استجابة صلبة من المفاوضين المحتجزين. كما أشار إلى أن إجراءات التحقيق ستتبع أي استسلام بما يضمن تحقيقاً شاملاً لملابسات الوضع، وأن هذه الإجراءات ستتم وفق آليات محددة لضمان سلامة العمل العسكري والعمليات الأمنية المرتبطة بالحدث. النص على هذه النقاط يعكس خطاباً يهدف إلى طمأنة المستويين السياسي والأمني حول خطوط العمل التي تقودها القيادة العسكرية، ويرسخ فكرة أن ما وراء هذه المواقف ليس مجرد رسائل إعلامية بل إجراءات تشغيلية محددة. كما تضمن التصريح تلميحاً إلى أن أي نقاش حول شروط المفاوضات أو إطلاق سراح المحتجزين سيظل خارج دائرة النقاش ما لم يتم حسم أمر المختطفين بشكل كامل، وهو أمر يضع إطاراً واضحاً للمسار المستقبلي لأي تفاهم محتمل.
ضوابط التعامل مع المحتجزين والشرطان التي وضعها الجيش
من خلال التعبير عن خيار الاستسلام أو القضاء عليهم، وضّح المسؤولون العسكريون مضمون الأسلوب الذي سيُتّبَع في التعامل مع المحتجزين، مع التأكيد على أن مسألة التحقيقات هي جزء لا يتجزأ من هذا المسار. كما أشاروا إلى أن عودة جميع المختطفين تشكل شرطاً أساسياً لأي خطوة إضافية، وهذا يعني أن أي تفاهم سياسي أو عودة لإعادة الإعمار يظل مرهوناً بتسوية هذه القضية بشكل كامل. مثل هذا التحديد للمقدمات يبرز عدداً من النقاط الجوهرية: الأولوية الأمنية القصوى وعدم التهاون في تنفيذ التحقيقات، وثانياً وضع شروط واضحة أمام أي محاولة لإعادة ترتيب الوضع الميداني من خلال ترتيبات سياسية أو إنسانية مؤقتة. وبناءً عليه، يعزز البيان من موقف الجيش بأن أي خطوة مستقبلية مرتبطة بمسألة الرهائن لا يمكن أن تكون إلا ضمن إطار صلب وواضح المعالم، بعيداً عن الإعلانات الفضفاضة أو الحلول السطحية التي قد تفتح ثغرات في النظام الأمني وتعرض البلاد لمخاطر غير محسوبة.
إعادة الإعمار ونزع السلاح كشرط للمرحلة القادمة
من جهة أخرى، شدد البيان على أن لا إجراء لإعادة الإعمار في قطاع غزة قبل نزع سلاحه، وهو ما يعكس ركيزة فاعلة في الاستراتيجية الأمنية التي يعتمدها الجيش. هذا الموقف يعكس تصوراً بأن البناء والإعمار لا يمكن أن يتم بمعزل عن تحقيق الاستقرار الأمني وتفكيك مصادر القوة التي يعتبرها الجيش تهديداً محتملاً على المدى الطويل. وعليه، فإن ربط إعادة الإعمار بنزع السلاح يهدف إلى فرض واقعٍ يضمن عدم ظهور تهديدات جديدة أو عودة لمظاهر العنف في المنطقة، وهو أمر يبرز في سياق الجدل المستمر حول مستقبل القطاع ومقومات السلام الإقليمي. وتبرز هنا فكرة أن المسألة الإنسانية والاقتصادية مرتبطة بشكل وثيق بمسألة الأمن والاستقرار، وأن أي مشروع لإعادة البناء لا بد أن يكون متوازناً مع معايير نزع السلاح وتفكيك قدرات المحتوى العسكري الذي يهدد الأمن الإقليمي.
تداعيات الحرب والغزو على داخل إسرائيل والجيش
في سياق متصل، ارتبطت تصريحات زامير بتأملات حول تداعيات الحرب على المستوى الداخلي في إسرائيل، وهو أمر تتقاطع فيه الآراء مع ما كشفت عنه الإعلامية هند الضاوي حول الأزمة الداخلية التي كشفتها الحرب، من هروب الجنود ورغبتهم في رفض الخدمة العسكرية. أشارت الضاوي إلى أن الحرب كشفت عن واحدة من أخطر الأزَمات الداخلية في إسرائيل، وهي هروب الجنود ورفض الخدمة، وهو أمر يعكس ما وصفته بـ”الهجرة العسكرية المعاكسة” حيث يعود عدد من الجنود إلى بلادهم الأصلية ويتركون الخدمة دون العودة، وهذا يتجه إلى تقويض مفهوم الدولة القومية التي تعتمد على المؤسسة العسكرية للحماية والدفاع. وتضيف الضاوي بأن الحرب الأخيرة فجرّت نقاشاً حاداً حول جاهزية المجتمع الإسرائيلي للمشاركة في القتال في ظل وجود أعداد من المواطنين يرفضون الانخراط في الحرب أو الدفاع عن الأرض، وهو ما يضيف طبقة جديدة من التحديات أمام القيادة السياسية والعسكرية لتقييم أسس الأمن والالتزام الوطني. كما أشارت إلى أن هناك نحو ستمئة ألف فرد داخل إسرائيل كان من المفترض انضمامهم إلى الجيش، لكنهم غادروا البلاد ولم يعودوا، في ظل وجود أزمة هيكلية عميقة في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
الهجرة العسكرية المعاكسة وأثرها على المجتمع العسكري الإسرائيلي
تؤكد التطورات التي أتت على لسان الإعلامية هند الضاوي وجود تحول ملحوظ في العلاقات بين المجتمع الإسرائيلي والمؤسسة العسكرية، حيث أصبحت النسبة الأكبر من السكان غير مستعدة لدعم مشاركة الجيش في القتال، وهو ما يعزز مخاوف ضعف الجاهزية واستدامة الخدمة العسكرية كخيار استراتيجي. وتشرح الضاوي أن إسرائيل تعتمد بصورة رئيسة على المؤسسة العسكرية كركيزة دفاعية وأداة حاكمة، وإن الحرب الأخيرة أبرزت هشاشة هذا المفهوم، لأن أعداداً كبيرة من الإسرائيليين أعلنوا رفضهم للمشاركة في القتال، معتبرين أن “هذه ليست حربهم”. هذه الآراء تثير نقاشاً وطنياً عميقاً يطال مفهوم التضامن الوطني في أوقات الأزمات، كما تبرز تحدياً أمام صانعي القرار في كيفية معالجة التوتر بين الواجب العسكري وحقوق الأفراد وحرية الاختيار ضمن إطار ديمقراطي.
إشارات حول المقاربة الوطنية والدفاعية في إسرائيل وفقاً للحديث التلفزيوني
المقاربة التي يطرحها حديث الكابينت وتلخيص التصريحات المتواصلة من قبل قادة الجيش يعكس توجهات تتعلق بمستوى الالتزام الوطني وبناء ثقة المجتمع في قدراته الدفاعية. فحين يؤكد القادة أن لا مفاوضات مع المحتجزين في رفح، فإن ذلك يعكس تصميم المؤسسة العسكرية على الحفاظ على الاستراتيجيات الأمنية وفق خطوط حمراء واضحة، وتفادي منح أي ظرف يفسح المجال أمام التفاوض الذي قد يرهق قدرات الدولة في مواجهة التحديات. كما أن الإشارة إلى اشتراط عودة جميع المختطفين وإلى فرض شروط صارمة قبل استمرار المسار السياسي أو إعادة الإعمار تتضمن تحذيراً من الانزلاق إلى مسارات قد تُفقد الدولة موازينها الأمنية وتعرض المجتمع لمخاطر متزايدة. هذه الرسائل تشكّل في مجملها إطاراً يتطلب التزاماً من الجميع، وقبل كل شيء من المستوى السياسي والعسكري، لضمان تنفيذ القرارات بشكل منسق وفعّال وفي إطار الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي، بعيداً عن أي تهاون قد يفتح ثغرات في المعادلة الأمنية.
خلاصة وتداعيات على المستوى الداخلي والخارجي
إن هذه التصريحات والتقارير المرافقة لها تعكس حالة من الحذر والترقب في إسرائيل إزاء ما ستؤول إليه الأحداث في غزة وفيما بعد ذلك، ومدى القدرة على إدارة الصراع من خلال أدوات الدولة وحدودها وطاقاتها. كما تُظهر النقاشات المرتبطة بالحالة الداخلية في إسرائيل بروز معضلة ثقيلة تتعلق بحجم المشاركة في القتال ودرجة الالتزام الوطني، وهو ما قد يؤثر في مسار العلاقات الدولية وإطار التحالفات الأمنية. أما في المحصل النهائي، فإن تصريحات رئيس أركان جيش الاحتلال ومواقف الإعلامية الهند الضاوي تفتح نافذة لتقييم عميق للمسؤولية الوطنية وبناء تصور حول كيفية التعامل مع الأزمات، مع التأكيد على أن هذه التصريحات لا تقف عند حدود الرسائل الإعلامية، بل تشكل إطاراً عملياً للخطوات الأمنية والسياسية التي قد تتخذها إسرائيل في المرحلة القادمة، خاصة في ضوء التوترات المستمرة في المنطقة ووجود مخاطر محتملة تتطلب اليقظة والحنكة في كل قرار يتخذه صانعو السياسة.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.














































































































