كتب: أحمد عبد السلام
فتح تحقيق موسع أجرته هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي نافذة على مجزرة مروعة ارتكبتها قوات الدعم السريع في مدينة الفاشر السودانية الشهر الماضي، حيث يُعتقد أن أكثر من 2000 مدني قضوا نحبهم في إحدى أبشع الجرائم التي شهدها إقليم دارفور منذ اندلاع الحرب في السودان عام 2023. أظهر التحقيق مقاطع مصورة توثق إعداماً جماعياً بحق مدنيين عزل، بينهم نساء وأطفال، فيما كان بعض المقاتلين يضحكون ويتفاخرون بما أسموه “العمل الجيد” و”الإبادة”. وفيما يضج المشهد الدولي بالجدل، أكدت المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق رسمي لتحديد ما إذا كانت هذه الجرائم ترقى إلى مستوى جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية.
الواقعة وتوثيقها
تشير المعطيات الواردة في التحقيق إلى أن مجزرة الفاشر جاءت في سياق حملة عسكرية واسعة النطاق استهدفت المدينة بعد حصار دام قرابة عامين، أثر بشكل حاسم في سقوط آخر معاقل الجيش في دارفور. كما يبين التقرير أن مقاطع مصورة وثقتها كاميرات المراقبة والهواتف المحمولة تُظهر عناصر من الدعم السريع يقتحمون مبانٍ جامعية وشوارع المدينة ويصدرون أحكاماً بإعدام مدنيين عزل. وتؤكد اللقطات وجود تعذيب واضح على أشخاص تم القبض عليهم وهم يحاولون تهريب مواد غذائية أو البحث عن أمان داخل المدينة.
المدينة والظروف المحيطة
تُعد الفاشر آخر معقل للجيش السوداني في دارفور قبل أن تسقط بيد قوات الدعم السريع أواخر أكتوبر الماضي، عقب حصار مطوّل. ويظهر من الصور أن الدعم السريع أقام سواتر ترابية حول المدينة لعزلها تماماً ومنع دخول المساعدات الإنسانية. كما أسفرت ضربات جوية وقصف عن تدمير منشآت مدنية، بما في ذلك مسجد وخيام للنازحين خلال شهري سبتمبر وأكتوبر، وهو ما يعكس اتساع نطاق الحدث ودلالاته الإنسانية العميقة.
الأدلة والتوثيق المصور
أظهرت لقطات أقمار صناعية حللتها بي بي سي تجمعات كبيرة يرجح أنها جثث لضحايا لم تكن موجودة في صور سابقة، مع وجود بقع داكنة تشير إلى آثار دماء. كما كشفت تقارير أخرى عن وجود حملات عنف منظمة داخل المدينة، حيث تبيّن أن أقسام من القوات دخلت مدارس ومجمعات سكانية وارتكبت أعمال تعذيب وإعدام بحق مدنيين عزل. من جهة أخرى، عُرف قائد ميداني في الدعم السريع بلقب “أبو لولو” ظهر في مقاطع عدة وهو يعدم أسرى ومدنيين دون سلاح، وهو يعلو صوته وهو يقول “لن أرحم أحداً. مهمتنا الوحيدة هي القتل”.
قائد المجزرة وأقواله
إلى جانب المشاهد القاتمة، أظهرت تسجيلات أخرى أحد القادة وهو يوجه أوامره بإطلاق النار على رجل مصاب لا يزال يحاول طلب النجاة قائلاً: “لماذا هذا ما زال حيّاً؟ اقتله”. وتثبت هذه اللقطات حجم فداحة الاعتداءات وتوافر نية واضحة لدى بعض عناصر الدعم السريع في المضي قدماً بتنفيذ العنف ضد المدنيين. كما أشار تحقيق لاحق إلى وجود أقوال وتسجيلات أشارت إلى مبالغة في تصوير الواقع واستخدامه إلى حد التهدئة من ردود الفعل الدولية.
ردود الفعل الرسمية ومحاولات التخفيف
بعد انتشار التحقيق أعلن قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”، أن بعض عناصر قواته ارتكبوا “انتهاكات” وأكد على عزمه محاسبتهم. وفي خطوة ترويجية، نشر مكتبه الإعلامي تسجيلات تُظهر تسليم مساعدات للمدنيين ومعاملة إنسانية للأسرى، في محاولة لتخفيف الغضب الدولي وتقديم صورة مغايرة عن الواقع. غير أن التقييم المستقل الذي نشرته تقارير مختلفة يعكس فداحة الانتهاكات ويؤكد أن الحدث يمثل تصاعداً خطيراً في سجل الانتهاكات ضد المدنيين.
الطمس المزعوم للجثث ومواقع الدفن
تُشير نتائج تقرير نشرته جامعة ييل إلى أن صوراً جديدة التقطت بالأقمار الصناعية بعد أيام من المجزرة أظهرت تجمعات كبيرة يُرجّح أنها لجثث بشرية، مع وجود بقع داكنة قد تشير إلى آثار دماء. كما أشارت التحليلات إلى نقل جثث من مواقع الإعدام ودفنها فيما بعد في مقابر جماعية قرب مستشفى الأطفال بالفاشر، وهو ما وُصف بأنه محاولة لـ”طمس الأدلة” وتخفيف النقمة الدولية. وتؤكد هذه المعطيات أن المجزرة لم تكن عملاً عسكرياً عابراً بل جريمة ذات أبعاد وخيمة تستدعي مساءلة دولية كاملة.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.














































































































