كتبت: بسنت الفرماوي
اللغة كائن حي يرافق الإنسان منذ نعومة أظافره، لكن للأسف، هذه الحياة تتعرض للقتل البطيء. نشهد اليوم إهمالاً متعمداً وإساءة للاحتفال باللغة العربية، حيث يتم تكريس الجهود للدعاية والشعارات دون أي فعل حقيقي.
معاناة اللغة في المدارس
داخل جدران المدارس، تتحول اللغة العربية إلى أداة عقاب. في أحد الأيام، دخلت مدرسة ابني وسمعت المعلمة تصرخ على تلميذ بسبب عدم إتقانه للإعراب، وكأن اللغة صارت سلاحاً يستخدم لتقريع الأطفال. هذه التجربة تترك أثرًا نفسيًا عميقًا في نفوس الطلاب، فكيف سينظرون إلى لغتهم الأم عندما يكبرون؟ للأسف، سيصبح الإعراب في نظرهم جملة من التعقيدات التي يجب عليهم تجنبها، مما يفقدهم الحماس لتعلم هذه اللغة الغنية.
اللغة الأم والتحول إلى مادة دراسية
يتضح أن هناك أزمة حقيقية عندما تتحول اللغة العربية إلى مجرد مادة دراسية. في سياق ذلك، تحكي أم عن مأساة طفل يبلغ من العمر أربع سنوات. هذا الطفل يتلقى الحوار بلغة أجنبية بينما اللغة العربية حكر على الأمور الرسمية. كيف سيعبر عن مشاعره وتعبيره عن عواطفه بلغة تشعره بالتحذير والجدية؟ إذا كان الحوار باللغة الإنجليزية هو مجال الحب، فكيف سيُنظر إلى العربية كأداة تواصل مملوكة للمؤسسة التعليمية فقط؟
اللغة العربية في عالم العولمة
تجول في شوارع العواصم العربية، ترى اللغات المختلفة تتنافس وتتقاطع. الإنجليزية والفرنسية والتركية تتداخل مع اللهجات المحلية، بينما تظل العربية الفصحى تغيب عن المشهد إلا في بعض اللافتات الرسمية. هذه الانفصام يزيد الفجوة بين الأجيال ويدفع الكثيرين للاعتقاد بأن العربية لا تفيد في الحياة اليومية، لتصبح لغة النخبة في أفضل الأحوال.
اللغة كأداة تفكير
ما يثير القلق هو أن الكثيرين يعتبرون اللغة العربية مجرد وسيلة للتواصل، في حين أنها نظام معرفي متكامل. إذا كانت اللغة ضعيفة، فإن القدرة على التفكير النقدي والتعبير عن المشاعر تتأثر سلبًا. إن ثراء وتنوع اللغة العربية يمكن أن يسهم في تنمية قدرات التفكير العلمي والفلسفي، لكن يتعين علينا إعادة إحيائها من خلال التعليم وتعزيز استخدامها.
مشكلة الاحتفالات الشكلية
في كل عام، نحتفل بيوم اللغة العربية، نلقي الخطب ونرفع الشعارات. لكن ما يحدث بعد الاحتفال هو العودة إلى التعليم بلغة أجنبية. هذا يُظهر النفاق الثقافي الذي تؤدي فيه الكلمات الفارغة إلى زيادة الفجوة بين الواقع والمثالية.
الحاجة إلى خطوات عملية
لا نتطلب فقط التمسك باللغة الأم بل نحتاج إلى استعادة هويتها في حياة الأطفال. يجب أن يكون هناك جهد حقيقي لتعريب التعليم وتنمية محتوى علمي وثقافي بالعربية. التحرك نحو تجديد أسلوب التعليم وجعله قائمًا على الفهم والإبداع ضروري.
لقد حان الوقت للإقرار بحقيقة أن اللغة العربية كائن حي قوي، ولكنها تحتاج إلى الرعاية الحقيقية. نحتاج إلى إيمان حقيقي بقدراتها وتكريس الجهود لتطويرها في عصرنا الحالي. اليوم، مع الاحتفال بلغة الضاد، لنكن صادقين مع أنفسنا وندرك حقيقة الأمر: إنها لغة يستحق أن تُعزز وتُحمى، لا أن تُهمل.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.














































































































