كتب: صهيب شمس
في قلب التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها مصر في القرن العشرين، ظهرت الحاجة الملحة إلى نظام تعليمي فني عالي يواكب متطلبات التنمية الوطنية. لم يكن ذلك مجرد توجه تعليمي عابر، بل كان رؤية استراتيجية تهدف إلى تأهيل جيل من الفنيين والمتخصصين القادرين على دعم قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة في إطار مساعي البلاد نحو الاستقلال والنمو.
تعود بداية القصة إلى أوائل القرن العشرين عندما بدأت مصر في تطوير التعليم الفني. رغم أن الجهود كانت قائمة، إلا أن الإقبال على هذا النوع من التعليم بقي ضعيفًا بالأساس بسبب اقتصاره على المرحلة المتوسطة. ومع تطورات الحرب العالمية الثانية، تم اقتراح فتح مسار للتعليم العالي الفني عام 1943، مما أتاح فرصة تأهيل كفاءات للنهضة الصناعية.
أطلقت الدولة خطة خمسية لإنشاء معاهد صناعية وتجارية وزراعية، حيث ظهرت معاهد مهمة مثل المعهد العالي للتكنولوجيا بحلوان والمعهد العالي الفني بشبرا. ومع تأسيس وزارة التعليم العالي عام 1961، تم إشرافها على هذه المعاهد وتوجه التركيز نحو دمج العلوم الإنسانية ضمن المناهج الدراسية.
ورغم التوسع الملحوظ، عانت المعاهد من ضعف التجهيزات وافتقار الكوادر التعليمية، مما دفع الجهات المعنية إلى المطالبة بتطوير البنية التحتية وزيادة البعثات الدراسية. وفي عام 1963، صدر قانون لتنظيم المعاهد ومنحها شهادات جامعية، لكن الفجوة بينها وبين الجامعات التقليدية ظلت قائمة.
بين عامي 1956 و1964، أُوفد آلاف الطلاب إلى دول مختلفة للتدريب، ورغم الحصول على درجة البكالوريوس، ساهمت هذه التطورات في تآكل الطبقة الوسطى من الفنيين، حيث انضم الخريجون إلى فئة الجامعيين التي كانت تأنف من العمل اليدوي.
في عام 1965، أوصت اللجنة المعنية بإنشاء جامعة تكنولوجية، مع دمج المعاهد ضمن كليات متخصصة لتخفيف الضغط على الجامعات التقليدية. عام 1970، قدم وزير التعليم مذكرة لإنشاء جامعة تكنولوجية، وفي عام 1975 تم تأسيس جامعة حلوان بموجب قرار جمهوري، لتصبح أول جامعة مصرية تركز على تخصصات غير تقليدية.
بدأت الدراسة فعليًا في جامعة حلوان عام 1975/1976 مع انطلاقة 21 كلية موزعة في عدة مدن، من ضمنها القاهرة والإسكندرية وبورسعيد والسويس. ثم لاحقًا، تم تخصيص أرض بمساحة 470 فدانًا في عين حلوان، وتم تقليصها فيما بعد إلى 330 فدانًا، لتبدأ معها رحلة تنفيذ مكونات الحرم الجامعي من كليات ومكتبة مركزية ومرافق أخرى.
تم تصميم شعار الجامعة ليمثل قفزة نحو المستقبل، حيث تضمن حرف الألف كتجسيد للعلم، في تعبير فني وجمالي عن هوية الجامعة. تمثل جامعة حلوان نموذجًا فريدًا في التعليم الجامعي المصري، إذ تجمع بين المعاهد الفنية التقليدية والتقنيات الحديثة.
على الرغم من التحديات المتعددة، استطاعت جامعة حلوان أن تُثبت ضرورتها الوطنية في إعداد طبقة وسطى فنية تساهم في بناء المستقبل المصري، وتعيد الاعتبار لقطاع التعليم التطبيقي. لقد كانت الرحلة من مدرسة الهندسة التطبيقية إلى جامعة حلوان مفعمة بالتحديات، لكنها تحمل في طياتها حلمًا وطنياً: أن يصبح التعليم الفني العالي جزءًا لا يتجزأ من منظومة التعليم الجامعي، ويُعطى العمل اليدوي والتطبيقي مكانته المستحقة.
اليوم، تقف جامعة حلوان شهادةً حيّة على قدرة مصر في تحويل الرؤى إلى واقع، لتستمر فصول هذه الحكاية في كتابة تاريخ جديد مع كل خريج يساهم في بناء الوطن.
يمكنك قراءة المزيد في المصدر.
لمزيد من التفاصيل اضغط هنا.















































































































